وفاة الخليفة عمر بن عبدالعزيز

 هو عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم، وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.

وُلد فى المدينة المنورة سنة (26هـ) على الأرجح، ونشأ بها بناءً على رغبة أبيه، الذى تولَّى إمارة مصر بعد ولادة عمر بثلاث سنوات سنة (65هـ)، فنشأ بين أخواله من أسرة عمر بن الخطاب، ونهل من علم علمائها من بقية الصحابة، وكبار التابعين، حتى صار من كبار الفقهاء علمًا وعملا.
ظل عمر فى المدينة حتى سنة (85هـ)، وهى السنة التى تُوفى فيها أبوه، فاستدعاه عمه عبدالملك بن مروان إلى دمشق، وخلطه بأبنائه، وزوَّجه ابنته فاطمة، ثم عيَّنه واليًا على منطقة خناصرة شمالى شرقى الشام، ثم عيَّنه ابن عمه الوليد بن عبدالملك واليًا على المدينة المنورة، فكان ذلك مصدر سعادة لعمر ولأهل المدينة جميعًا، ونعم الناس فى فترة ولايته عليها (87 - 93 هـ) بالعدل والأمن، وأشرك معه أهل العلم والفضل منهم فى إدارة أمور الولاية.
عمر فى خلافته:
أخذ عمر بن عبدالعزيز منذ أن ولى الخلافة فى بذل كل ما يملك من طاقة، وما يتمتع به من خبرة فى إصلاح أمور الدولة، واستقرار الأمن، ونشر الرخاء والعدل، وتحقيق الكفاية والوفرة فى كل أنحائها، والحرص على مال المسلمين، وإنفاقه فى وجوهه المشروعة، وحسن التصرف فى الأمور، والدقة فى اختيار الولاة والقضاة وسائر كبار رجال الدولة، وتحقيق التوازن بين طبقات المجتمع، ومجادلة الخارجين على الدولة بالحسنى؛ لإقناعهم بالعودة إلى حظيرة الجماعة كما فعل مع الخوارج حين عاودوا نشاطهم فى عهده فاستعمل معهم أسلوب الحوار، فاستجابوا له لمَّا أقنعهم بخطأ أفكارهم المتطرفة، ووعدوه بالهدوء، لكنهم هبُّوا من جديد بعد وفاته سنة (101هـ)، ولم تهدأ ثوراتهم التى استمرت حتى آخر أيام الدولة الأموية.
وقد سرت تلك الروح فى كل ناحية من نواحى الحياة فى الأمةالإسلامية، فعمها الرخاء، وسادت فيها الكفاية والعدالة الاجتماعية، حتى إن عمال الصدقات كانوا يبحثون عن فقراء لإعطائهم فلا يجدون.
سياسته الخارجية:
رأى عمر بن عبدالعزيز أن الدولة اتسعت كثيرًا، وأن كثيرًا من المشاكل والأخطاء نشأت من ذلك الاتساع، فرأى وقف الفتوحات والاهتمام بنشر الإسلام فى البلاد التى تم فتحها، وإرسال الدعاة والعلماء لدعوة الناس بدلا من إرسال الجيوش والحملات، وقد أثمرت تلك الجهود نتائج محمودة، فأقبل أبناء الشعوب المفتوحة على اعتناق الإسلام، يجذبهم إليه سمعة الخليفة الحسنة، وسمو أخلاقه، ونبله وعدله، الذى تجاوز حدود دولته إلى غيرها من الدول، فكان موضع إعجاب وتقدير، وحمد وثناء من أهلها، وبخاصة الدولة البيزنطية.
وقد استمرت خلافة عمر سنتين وبضعة أشهر، شهدت فيها الدولة إصلاحات عظيمة فى الداخل والخارج، وامتلأت الأرض نورًا وعدلا وسماحة ورحمة، وتجدَّد الأمل فى النفوس بإمكان عودة حكم الراشدين، واقعًا ملموسًا وحقيقة لا خيالا، وأن يقام المعوج، وينصلح الفاسد، ويُرد المنحرف إلى جادة الصواب، إذا استشعر الحاكم مسئوليته عن الأمة أمام الله، واستعان بأهل الصلاح من ذوى الكفاءة والقدرة، ومن ثم فليس بغريب أن يطلق على عمر خامس الخلفاء الراشدين، وأن يكون موضع تقدير أشد الفرق عداءً لبنى أمية كالشيعة والخوارج.
زهده:
ــ لما تلقى عمر بن عبد العزيز خبر توليته، انصدع قلبه من البكاء، وهو في الصف الأول، فأقامه العلماء على المنبر وهو يرتجف، ويرتعد، وأوقفوه أمام الناس، فأتى ليتحدث فما استطاع أن يتكلم من البكاء، قال لهم: بيعتكم بأعناقكم، لا أريد خلافتكم، فبكى الناس وقالوا: لا نريد إلا أنت، فاندفع يتحدث، فذكر الموت، وذكر لقاء الله، وذكر مصارع الغابرين، حتى بكى من بالمسجد.
يقول رجاء بن حيوة: والله لقد كنت أنظر إلى جدران مسجد بني أمية ونحن نبكي، هل تبكي معنا !! ثم نزل، فقربوا له المَراكب والموكب كما كان يفعل بسلفه، قال: لا، إنما أنا رجل من المسلمين، غير أني أكثر المسلمين حِملاً وعبئاً ومسئولية أمام الله، قربوا لي بغلتي فحسب، فركب بغلته، وانطلق إلى البيت، فنزل من قصره، وتصدق بأثاثه ومتاعه على فقراء المسلمين.
ــ ثم نزل في غرفة في دمشق أمام الناس؛ ليكون قريبًا من المساكين والفقراء والأرامل، ثم استدعى زوجته فاطمة، بنت الخلفاء، أخت الخلفاء ، زوجة الخليفة، فقال لها: يا فاطمة، إني قد وليت أمر أمة محمد عليه الصلاة والسلام - وتعلمون أن الخارطة التي كان يحكمها عمر، تمتد من السند شرقًا إلى الرباط غربًا، ومن تركستان شمالاً، إلى جنوب أفريقيا جنوبًا - قال: فإن كنت تريدين الله والدار الآخرة، فسلّمي حُليّك وذهبك إلى بيت المال، وإن كنت تريدين الدنيا، فتعالي أمتعك متاعاً حسنًا، واذهبي إلى بيت أبيك، قالت: لا والله، الحياة حياتُك، والموت موتُك، وسلّمت متاعها وحليّها وذهبها، فرفَعَه إلى ميزانية المسلمين.
خوفه من التقصير في خدمة المسلمين:
ــ وكان يستشعر عظم المهمة التي حملها فكان بعد رجوعه من جنازة سليمان مغتمًا فسأله مولاه : مالي أراك مغتمًا ؟ قال : لمثل ما أنا فيه فليغتم ، ليس أحد من الأمة إلا وأنا أريد أن أوصل إليه حقه غير كاتب إلى فيه ولا طالبه مني .
ــ وذات يوم دخلت عليه امرأته وهو في مصلاه تسيل دموعه على لحيته فقالت يا أمير المؤمنين ألشيء حدث ؟ قال : يا فاطمة إني تقلدت من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم أسودها وأحمرها فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والعاري والمجهود والمظلوم والمقهور والغريب والأسير والشيخ الكبير وذي العيال الكثير والمال القليل وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد فعلمت أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة فخشيت ألا تثبت لي حجة فبكيت .
بالعدل لا بالقهر يصلح الناس:
ــ في أحد المواقف كتب إليه واليه على خراسان واسمه الجراح بن عبد الله يقول : إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك فكتب إليه عمر : أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط فقد كذبت بل يصلحهم العدل والحق فابسط ذلك فيهم والسلام.
صورة رائعة من عدل عمر بن عبد العزيز
بينما عمر بن عبد العزيز يطوف ذات يوم في أسواق "حمص" ليتفقد الباعة ويتعرَّف على الأسعار، إذ قام إليه رجلٌ عليه بُرْدان أحمران قطريان وقال:
يا أمير المؤمنين..
لقد سمعت أنك أمرت من كان مظلومًا أن يأتيك .
فقال: نعم .
فقال: وها قد أتاك رجلٌ مظلومٌ بعيدُ الدَّار .
فقال عمر: وأين أهلك؟
فقال الرجل: في "عدن "
فقال عُمر: والله، إن مكانك من مكان عمر لبعيد .
ثم نزل عن دابّته، ووقف أمامه وقال: ما ظلامتُك ؟
فقال: ضيعةٌ لي وثب عليها رجلٌ ممن يلوذون بك وانتزعها مني .
فكتب عمر كتابًا إلى "عروة بن محمد " واليه على "عدن" يقول فيه: أمَّا بعد: فإذا جاءك كتابي هذا فاسمع بيَّنة حامله، فإن ثبت له حقٌّ، فادفع إليه حقَّهُ .
ثم ختم الكتاب وناوله للرجل .
فلما هم الرجل بالانصراف قال له عمر: على رسلك.. إنك قد أتيتنا من بلدٍ بعيدٍ .. ولا ريب في أنك استنفدت في رحلتك هذه زادًا كثيرًا ..
وأخلقت ثيابًا جديدة .
ولعلَّه نفقت لك دابةٌ.
ثم حسب ذلك كله، فبلغ أحد عشر دينارًا، فدفعها إليه وقال: أشع ذلك في الناس حتى لا يتثاقل مظلومٌ عن رفع ظُلامتِهِ بعد اليوم مهما كان بعيد الدَّار.
وفاته:
توفي عمر بن عبد العزيز يوم الجمعة لعشر ليال بقين من رجب سنة 101هـ على أصح الروايات، واستمر معه المرض عشرين يوماً، وتوفي بدير سمعان من أرض معرة النعمان بالشام. عن عمر ناهز أربعين سنة.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.