د. عاطف شمس الأستاذ بمعهد إعداد الدعاة في حوار خاص مع "دليل المسجد"

الأئمة يتحملون مسؤولية تراجع دور المسجد في المجتمع

أكَّد الدَّاعية الدكتور عاطف شمس، الأستاذ بمعهد إعداد الدُّعاة بمصر، على ضرورة مواكبة إمام المسجد لمجريات الأحداث في العالم الإسلامي، وهذا يستلزم أن يكون مثقَّفًا وواعيًا بالواقع وما يدور حوله.

كما أبدى –في الوقت نفسه- رفضه اقتصار بعض الأئمة على العلوم الشرعية والفقهية؛ دون اهتمامهم بالحصول على الدَّورات التَّدريبية اللَّازمة لتفعيل دور المسجد، ونشر رسالته في المجتمع، وكيفية أداء هذه الرِّسالة على أفضل وجه.

وحمَّل شمس -في حواره الخاص مع موقع (دليل المسجد)- الإمام مسؤوليِّة تراجع دور المسجد في المجتمع، داعيًا أيَّاه إلى ضرورة دعم وتفعيل أنشطة جماعة المسجد، معتبرًا أنَّها وسيلة الاتصال المباشرة بين المسجد والمنطقة التي يقع فيها، محذِّرًا من خطورة انتماء الإمام إلى تيار فكري أو جماعة سياسية.

واقع العمل الدَّعوي، ومواصفات الإمام النَّاجح، وأهمِّية الدَّورات التَّدريبية المختلفة في صقل شخصية الإمام، ودور الإمام في المجتمع. هي أبرز القضايا التي نناقشها مع الدكتور عاطف شمس. فإلى نصِّ الحوار.

 

 
حدِّثنا عن دور معاهد الدُّعاة في مصر في صقل شخصية الإمام والدَّاعية؟

تُعدُّ الدِّراسة في معهد إعداد الدُّعاة بالنسبة لمن أكمل التَّعليم الأزهري، دورة تخصُّصيَّة، ولمن لم يحصل على التَّعليم الأزهري، تُعدُّ دورة للإلمام بالعلوم الشَّرعية والفقهية على نهج السَّلف. وهي مهمَّة جدًا بالنِّسبة للدُّعاة والأئمة؛ لأنَّ مدَّة الدَّورة 5 سنوات، تتضمن تدريس علم الحديث، وأصول الفقه، والقرآن الكريم؛ بحيث يحفظ الدَّارس كلّ عام 6 أجزاء من القرآن الكريم؛ بالإضافة إلى الدَّورات التَّدريبية الخاصة بكيفية الخطابة، وحسن الإلقاء، وفنون التعامل مع الناس، ودورات تدريبية تربوية؛ تؤهِّل الإمام إلى أن يقوم بدوره على كافة المستويات على أكمل وجه.

بعض الأئمة يكتفون بدراسة العلوم الشَّرعية والفقهية، هل ترى أنَّ هذا العلم كافٍ للأئمة؟ أم أنَّ هناك حاجة لصقل شخصية الإمام في جوانب أخرى؟

في الحقيقة.. أشفق على الأئمة في مصر في الوقت الحالي؛ لاسيَّما أنَّ الملاحظ أنَّ الكثير منهم يعتبر الإمامة وظيفة يتقاضى عليها راتب، علاوة على قلَّة الثَّقافة والوعي بهموم المجتمع والأمَّة الإسلامية، والقليل منهم من يهتم بالحصول على دورات تثقيفية أو تربوية وتدريبية تساعده على أن يكون إمام ناجح، وبالتَّالي فهم في أَمَسِّ الحاجة إلى التَّعلم المستمر، وتثقيف النَّفس باستمرار.

إذًا.. ترى أهمِّية كبيرة لحصول الإمام على دورات تدريبية مستمرة؟

هذا أمر مهمٌّ جدًّا جدًّا؛ خاصة أنَّ بعض الدَّورات تنبِّه الإمام إلى ضرورة مواكبة الأحداث في محيط المسجد على المستوى الصغير، ومشكلات مجتمعه وأمته على المستوى الكبير.

وكون المشكلات والتَّحديات التي تواجه المجتمعات الإسلامية في الدَّاخل والخارج متشعِّبة ومعقَّدة في نفس الوقت؛ فلا بُدَّ للإمام أن يكون مثقَّفًا وواعيًا لكلّ ما يدور حوله، وبعد ذلك.. يناقش هذه الأمور في خُطِب الجمعة، والدُّورس اليومية والأسبوعية؛ بحيث يجد المسلم أنَّ المسجد يعبِّر عن طبيعة المشكلات الرَّاهنة، فلا يُعقل أن ما يحدث خارج المسجد أمر، وما يدور في المسجد أمر آخر تمامًا؛ وإلَّا لأصبح المسجد بدون أيّ وظيفة سوى إقامة الصلاة؛ مع أنَّ المسجد -في الأصل- هو مدرسة المسلمين التي يتعلمون فيها كلّ ما يخُصُّ دينهم ودُنياهم، وليس ما يتعلق بالدين فقط.

ولا بُدَّ ألَّا يكتفي الإمام بمناقشة المشكلات، وإلقاء الضَّوء عليها؛ لكن عليه أيضًا أن يطرح الحلول الشَّرعية المناسبة لها، وكيف تعامل الرَّسول صلى الله عليه وسلم والصَّحابة والسَّلف -رضوان الله عليهم أجمعين- مع هذه المشكلات، فالإسلام وضع قواعد لكل المشكلات والتحديات التي تواجه وستواجه الأمَّة إلى قيام السَّاعة.

من وجهة نظركم، وفي نقاط محدَّدة.. ما هي مواصفات الإمام النَّاجح؟

أولًا: التَّمتُّع بالعلم الشَّرعيّ.

وثانيًا: أن يكون مثقَّفًا.

وثالثًا: أن يكون مُلمًّا بكل ما يدور حوله (من مشكلات المجتمع، والحي، والمدينة،... إلخ).

وهذه أمور في غاية الأهمِّية، وهنا لا بُدَّ أن يتحلَّى الإمام بالمرونة الكافية، والصَّبر في الوقوف على مشكلات البيئة الخارجية للمسجد، فمثلًا: الأمور التي يتعيَّن أن يُركِّز عليها إن كان المسجد في منطقة تجارية، تختلف عن تلك الموجوة في بيئة ريفية أو قبلية، هنا الرِّسالة الخاصة بالمسجد تختلف باختلاف بيئة المسجد.

الملاحظ منذ سنوات.. ظهور ما يمكن أن يُطلق عليه: "تسييس الدعوة"، بمعنى: أن يكون الإمام أو الداعية منتمي إلى فصيل سياسي معيَّن، ما هي خطورة هذه الظاهرة؟

بالإضافة إلى الشُّروط التي تحدَّثنا عنها في السُّؤال السَّابق، والخاصة بالإمام النَّاجح، لا بُدَّ ألَّا يكون الإمام متعصِّبًا أو مُنتميًا إلى فريق سياسي دون آخر، بمعنى: أنَّه يتعيَّن على الإمام عدم الانتماء إلى حزب أو إلى أيَّة جهة سياسية؛ لأنَّ هذا الانتماء يتنافى مع هدف الدَّعوة إلى الله، ويتنافى مع دوره الهام في المجتمع.

وللأسف الشَّديد.. هذا ما حدث في مصر خلال السَّنوات الماضية، فأصبح بعض الدُّعاة والأئمة أبواقٌ دعوية لتيارات معينة، وبالتالي فقدوا موضوعيتهم، وبدأ النَّاس –تدريجيًا- ينفضُّوا من حولهم، وأصبحت الدَّعوة إلى الله تجارة بالدَّين من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وهذا ما جعل بعض الدُّعاة يغيِّرون بوصلة اهتماماتهم، وينصبّ دورهم على توجيه النَّاس إلى تيَّار معيَّن. وهذه الأمور هي المسؤولة عن الفُرقة والتَّحزُّب والتَّشتُّت بين المسلمين، وهذا بدوره ضيَّع قيمة التَّسامح بين المسلمين، فأصبح صاحب الاتجاه الأوَّل، لا يقبل وجه نظر الاتجاه الثَّاني،... وهكذا، وهذا كلّه بسبب اشتغال الأئمة والدّعاة بالسِّياسة، وهذا أخطر ما نواجه الآن.

لذا.. أُكرِّر: لا بُدَّ على الإمام أو الدَّاعية ألَّا يتبع أيَّ اتجاه سياسي، ويمنع نفسه تمامًا من الحديث في الشئون السِّياسية في المساجد؛ إلَّا في حالة أن يكون الإمام غير منتمٍ لاتجاه معيَّن، وأن يتمَّ مناقشة هذه الأمور من وجهة النَّظر الشَّرعية، بصورة ترأب الصَّدع بين المسلمين، وتُزيل الخلافات والصِّراعات، ويكون الخطاب الدَّعوي خطاب لتجميع ووحدة المسلمين، لا لتفريقهم وتناحرهم من أجل مصالح زائلة.

هذا ينقلنا إلى واجب الإمام تجاه المجتمع؟

الإمامة في الأصل من أخطر وأهمِّ الوظائف في المجتمع، فإذا كان المريض يحتاج الطبيب في لحظة معيَّنة أو ظرف معيَّن، حين شعوره بعرض ما، فإن المجتمع يحتاج الأئمة والدُّعاة في كل وقت، فالإمام هو من يُبصِّر المسلمين بأمور الدِّين والدُّنيا، وهو من يوضِّح لهم حلَّ المشكلات التي تواجههم. وهذا لن يتأتَّى بدون أن يكون الإمام مثقَّفًا يدري بما يجري حوله.

بصفة عامة.. كيف ترى واقع العمل الدَّعوي؟ وأبرز التَّحديات؟

في مصر.. حدثت خلال السَّنوات الماضية انتكاسة في الدَّعوة، وما زاد الطِّين بلة، تدخل بعض الدُّعاة في السِّياسة، وتبنيهم اتجاه معيَّن، وهذا جعلنا نعود إلى الوراء على الأقل خمسة عشر عامًا.

وهناك اعتقاد خاطئ لدى النَّاس، ومُفَاده: أنَّ كلَّ من يتكلم في الدِّين يصبح داعية. والدَّعوة إلى الله هي أشرف وظيفة يقوم بها المسلم؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33)، وقال سبحانه: ﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: 108]، وتظهر الآية الأخيرة أنَّ الدَّعوة إلى الله مرتبطة بالعلم والتَّقوى إلى الله -عزَّ وجلَّ-.

لاشك في أن المسجد هو الإمام، هل ترى أن الإمام مسؤول عن تراجع دور المسجد؟

الخطأ الشَّائع لدى بعض الأئمة.. أنَّ دوره مقتصر على إلقاء خطبة الجمعة، وإمامة النَّاس في الصَّلاة. وهذا بمثابة "تقزيم" لدوره ودور المسجد في المجتمع، وهذا سبب القصور الحاصل في أهمية ومكانة المسجد في حياة المسلمين، وهذا ما دفع بعض الغربيين إلى القول بأنَّ المساجد في بلاد المسلمين لكبار السِّن فقط، وكأن الإنسان لا يحتاج المسجد إلَّا حين يكبر في السِّن؛ لكن ماذا عن الشَّباب الَّذين لا يدخلون المسجد إلَّا لصلاة الجمعة؟ وماذا عن الشَّباب الَّذين لا يدخلون المسجد إطلاقًا؟.

هذا كلّه يتحمل مسؤوليَّاته إمام المسجد في المقام الأوّل. وقد ذكرنا في السَّابق أنَّ الإمام مُطالبٌ بالوقوف على مشكلات الحيّ أو المنطقة التي يقع فيها المسجد؛ بالإضافة إلى معرفته بمشكلات المسجد ذاته، ولا بُدَّ أن يتعامل مع هذه المشكلات، ويضع لها روشتة علاجية، فإن كان المسجد يشهد ضعفًا في عدد المصلّين، لا بُدَّ أن يعرف الأسباب ويعالجها.

ويتعيَّن على الإمام الخروج من المسجد لزيارة سكان الحيّ أو المنطقة وتفقد أحوالهم، وأن يناقش مع الآباء المشكلات المختلفة، مثلًا: قلّة الشَّباب المصلّين في المسجد، وأن يحثَّ الآباء على تشجيع أبناءهم على الصَّلاة في المسجد، وأن ينبِّه الآباء لخطورة صلاتهم في البيوت، أو خطورة عدم التزامهم بالصَّلاة في المسجد. وهنا يعطي الإمام للمسجد روح ورسالة قوية، تؤثر بالإيجاب على المنطقة التي يقع فيها المسجد.

تمارسون الدَّعوة والتَّدريس الشَّرعي منذ سنوات طويلة، هل يمكن أن تضعوا لنا خريطة أسبوعية –مثلًا- يتعيَّن على الإمام اتباعها لتعظيم دوره في المسجد؟

هناك واجب على الإمام تجاه نفسه، ثم واجب تجاه المسجد، فلا بُدَّ أن يحافظ على وِردٍّ يومي من القرآن الكريم، وأن يُخصِّص وقتًّا يوميًّا للقراءة والاطلاع على مجريات الأحداث، وينمي علمه وثقافته الشرعية والفقهية.

أما عن واجبه تجاه المسجد؛ بالإضافة لصلاة الجمعة؛ فلا بُدَّ أن يُلقي 3 دروس أسبوعيًّا، علاوة على دوره في دعم وتوجيه والإشراف على جماعة المسجد، التي تُعدُّ حلقة الوصل الرئيسية بين المسجد وبيئة المسجد، وهي خير معين للإمام في مختلف الأنشطة (حلقات تحفيظ القرآن الكريم، تنظيم مسابقات علمية وثقافية، لقاء طلبة العلم، الاهتمام بالفتيات وربات البيوت وكل ما يخص الأسرة المسلمة، إصلاح ذات البين، مواجهة أية ظواهر سلبية،... إلخ)، فدور كل منهما يكمل الآخر، وبدون التفاعل الإيجابي بين الإمام وجماعة المسجد يتقلص دور المسجد، ويصبح مكان للعبادة فقط.

 

 

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.