ماذا بعد الحج ؟ د. قذلة القحطاني

 

انتهى موسم الحج إلى بيت الله الحرام موسم التقوى والسباق والمرابحة مع الله، فهل يا ترى رجع الحجيج إلى بلادهم كيوم ولدتهم أمهاتهم ونالوا شرف الحج المبرور؛ الذي وعدهم الصادق المصدوق كما صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) . حديث صحيح

 

لقد جعل الله سبحانه وتعالى هذه الشعائر روافد للعقيدة ودعائم للتقوى وجعل أعظم عباده تؤدي في عشر ذي الحجة فريضة الحج قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} . [البقرة197] ، فهل تحققت التقوى للحجاج ؟ وهل كل من هلّ ولبى حج؟ قيل لأحد السلف: (الحاج كثير فقال: الداج كثير، والحاج قليل، إذن كيف تتحقق هذه العبادة القلبية العظيمة) ، لاشك أن تحقيقها عظيم وتتجلى من خلال دروس الحج العظيمة وهي:

 

الدرس الأول/ تحقيق التوحيد والاستسلام لله وحده لا شريك له: وهذه يتربى عليها الحاج في مشاهد الاقتداء بأبي الأنبياء وأولهم إبراهيم عليه السلام فعندما يقف الحاج عند مقام إبراهيم ويرى أثار هذه الإقدام التي ترمز إلى عبد من عباد الله هو نبي كان أمة حنيفاً، ولم يكن من المشركين؛ فتتحقق بهذه الرؤية: (دروس التوحيد، والإخلاص، والولاء والبراء، والحب في الله والبغض في الله) ، وتقديم ما يحبه الله على الهوى، والشهوات التي تريدها النفس .

 

وعند صعود الصفاء والمروة يتذكر ماجرى لأمنا هاجر وكيف أمتثل سيدنا إبراهيم عليه السلام لأمر ربه وتركها وابنها إسماعيل في هذا الوادي وكيف امتثلت لأمر الله ! .

 

ومن دروس التوحيد العظيمة وهو يقف على صعيد عرفات ويرى حوله الحجاج شعثاً غبراً بلباسهم الأبيض كل يسال ربه ويرجو رحمته تدفق عليها الألوف لا يرجون إلا رحمة الله ليس هناك دافع مادي ما يدفعهم؛ فيستشعر عظمة العظيم، وقوته، وقدرته، وجبروته، فتذل له الرقاب وتنحني له الجباه إيماناً واستسلاماً.

 

الدرس الثاني/ الإخلاص لله تعالى: ولهذا تأمل قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} أي: خالصة لوجهه لا رياء، قال الشيخ عبدا لرحمن الدوسري رحمه الله: (وقد أكثرا لله في آيات الحج على قلتها من وصيته لعباده بالتقوى؛ لأنه يحصل في الحج من أسباب التقوى مالا يحصل لغيره). أ.هـ

 

الدرس الثالث/ المتابعة: ففي الحج تتجلى هذه المتابعة في كل عمل مهما دق قال عليه الصلاة والسلام: (خذواعني مناسككم) حديث صحيح ؛ولتصبح هذه المتابعة التي تعلمها الحاج في الحج متابعه للنبي صلى الله عليه وسلم في كل حركات العبد في كل عبودية يقوم بها بعد الحج.

 

وليتقي الحاج بذلك دون تتبع الرخص ومحاولة التفلت من النص، والتماس المعاذير والتمسك بالفتاوى البعيدة عن الدليل .

 

الدرس الرابع/ التقوى: في حفظ الجوارح من غض البصر، وحفظ اللسان، ورحمة الضعيف، والشيخ والصغير وتوقير الكبير، وتربية النفس بالانقطاع لله تعالى وتفريغ القلب عن الشواغل وتزكية القلب، وإلجام النفس عن الكسل؛ والاشتغال بذكر الله وقراءة القران.

 

الدرس الخامس/ حفظ الوقت والجدية وانجاز الأعمال: فهي خمسة أيام عظيمة ينجز الحاج فيها من الإعمال العظام والدروس الجسام مالا ينجزه في شهور؛ فيتعلم الحاج درس الحفظ على الوقت واستغلاله.

 

وليعلم العبد انه لو يستغل وقته دائماً ويحافظ عليه كما يحافظ عليه في الحج لاستطاع بعون الله أن يحقق آمال وطموحات لا تخطر له على بال، هذه بعض الدروس القليلة ولو استقصيتها لطال بنا المقام، وأسأل الله تعالى أن يتقبل من الحجيج حجهم ويجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.