وفاة الحسن البصري

‏ الاسم والنسب:
هو: الحسن بن أبي الحسن البصري، واسم أبي الحسن يسار، مولى زيد بن ثابت الأنصاري، وهو أحد الأئمة الأعلام، وأحد حفَّاظ القرآن الكريم.كنيته: أبو سعيد.
ميلاد الحسن البصري:
وُلِدَ الحسن البصري رحمه الله بالمدينة، لسنتين بَقِيتا مِن خلافةِ عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه.
صفات الحسن الجِسْمية:
قال الإمام محمد بن سعد رحمه الله: "كان الحسن جامعًا، عالِمًا، عاليًا، رفيعًا، فقيهًا، ثقةً، مأمونًا، عابدًا، ناسكًا، كبير العلم، فصيحًا، جميلًا وسيمًا". وقالت أمة الحكم: كان الحسن يجيء إلى حِطَّانَ الرَّقَاشيِّ، فما رأيت شابًّا قط كان أحسن وجهًا منه.
عبادة الحسن البصري:
قال السَّرِيُّ بنُ يحيى: كان الحسن يصومُ مِن السنة أيام البيض، وأشهر الحرم، والاثنين والخميس. وروى الفسويُّ عن ابن شوذب عن مطر قال: كان الحسن البصري صاحبَ ليلٍ؛ أي: كان يكثر من صلاة الليل.
وقال علقمة بن مرثد: انتهى الزهد إلى ثمانيةٍ مِن التابعين؛ فمنهم الحسن بن أبي الحسن، فما رأينا أحدًا من الناس كان أطول حزنًا منه، ما كنا نراه إلا أنه حديث عهد بمصيبة.
نصيحة الحسن للخليفة عمر بن عبدالعزيز:
روى أبو نعيم عن مَوْهَب بن عبدالله، قال: لَمَّا استُخلف عمر بن عبدالعزيز، كتب إليه الحسن البصري كتابًا بدأ فيه بنفسه: "أما بعد، فإن الدنيا دارٌ مُخيفة، إنما أُهبِط آدم من الجنة إليها عقوبةً، واعلَمْ أن صرعتها ليست كالصرعة، مَن أكرمها يُهَنْ، ولها في كل حينٍ قتيل، فكن فيها يا أمير المؤمنين كالمداوي جرحَه؛ يصبِرُ على شدة الدواء؛ خيفةَ طول البلاء، والسلام".
شيوخ الحسن البصري:
روى الحسن البصري عن: عمران بن حُصَين، والمُغِيرة بن شُعْبة، وعبدالرحمن بن سَمُرَة، وسَمُرة بن جُنْدب، وأبي بكرة الثَّقفي، والنُّعمان بن بَشِير، وجابر، وجُنْدُب البَجَلي، وابن عباس، وعمرو بن تغلب، ومَعقِل بن يَسَار، والأسود بن سريع، وأنسٍ، وخلقٍ مِن الصحابة.وقرأ القرآن على: حِطَّانَ بن عبدالله الرَّقاشي.وروى عن خلق من التابعين.
تلاميذ الحسن البصري:
روى عن الحسن البصري كثيرٌ من أهل العلم؛ منهم:أيُّوب السختياني، وشَيْبان النَّحْوي، ويُونُس بن عُبَيد، وابن عَوْن، وحُمَيد الطويل، وثابت البُناني، ومالك بن دِينار، وهشام بن حسان، وجَرِير بن حازم، والرَّبيع بن صَبِيح، ويزيد بن إبراهيم التُّسْتَري، ومبارك بن فَضالة، وأَبَان بن يَزيد العطار، وقُرَّة بن خالد، وحزم القطعي، وسَلَّام بن مِسكين، وشُمَيْط بن عجلان، وصالح أبو عامر الخزَّاز، وأمم سواهم.
منزلة الحسن العلمية:
روى ابنُ سعد عن خالد بن رياح أن أنسَ بن مالك رضي الله عنه، سئل عن مسألة، قال: عليكم مولانا الحسن، فسَلُوه، فقالوا: يا أبا حمزة، نسألك وتقول: سلوا مولانا الحسن! فقال: إنا سمِعنا وسمِع، فحفِظ ونسينا.وروى ابن سعد عن حُمَيد بن هلال قال: قال لنا أبو قتادة رضي الله عنه: عليكم بهذا الشيخ - يعني الحسنَ بن أبي الحسن - فإني واللهِ ما رأيتُ رجلًا قط أشبهَ رأيًا بعمر بن الخطاب منه.
الله يحفَظُ الحسنَ مِن بطش الحجَّاج بن يوسف:
روى ابن عساكر عن أيوب بن أبي تَمِيمة أن الحجَّاج بن يوسف الثقفيَّ أراد قتل الحسن بن أبي الحسن مرارًا، فعصمه الله منه مرتينِ، وكان اختفى مرة في بيت علي بن زيد بن جُدْعان سنتينِ، ومرة في طاحنة في بيت أبي محمد البزَّاز، فعصَمَه الله مِن شرِّه، حتى إذا كان يومٌ مِن أيام الصيف شديدُ الحر، أرسل إليه نصف النهار، فتغفله في ساعة لم يحسب أن يرسل إليه فيها، دخل عليه ستة من الحرس فأخذوه، وأتعبوه إتعابًا شديدًا، قال أيوب: وبلغنا ذلك، فسعيتُ أنا، وثابت البُناني، وزياد النُّمَيري، وسويد بن حجير الباهلي، نحو القصر، معنا الكفن والحنوط، لا نشكُّ في قتلِه، فجلسنا بالباب فخرَج علينا وهو يكشر متبسمًا، فلما لحظناه حمِدنا الله تعالى على سلامته، قال الحسن: العجب والله لهذا العبد، دخلت عليه وهو في قُبَّة مِن سقفها الثلجُ، فهو يقطُرُ عليه، فوجدت شدة الحر، وسلمتُ عليه وفي يده القضيب، فقال الحجَّاج: أنت القائل يا حسن ما بلغني عنك؟ قلت: وما الذي بلغك عني؟ قال أنت القائل: اتَّخذوا عباد الله خدمًا، اتَّخذوا كتاب الله دَغَلًا (أي: خديعة للناس)، ومالَ الله دُولًا، يأخذون مِن غضبِ الله، ويُنفِقون في سَخَط الله، والحسابُ يوم القيامة، واللهُ تعالى يقول: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47]، فيكفي بها إحصاءً؟! قال: نعم، أنا القائل ذلك، قال: ولِمَ؟ قال: لِمَا أخذ الله ميثاق الفقهاء في الأزمنة كلها ﴿ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ﴾ [آل عمران: 187]، قال: فنكَت بالقضيب ساعةً وفكَّر، ثم قال: يا جارية الغالية، فخرجتِ الجاريةُ ذات قصاص (هي الخصلة من الشعر)، معها مُدْهُنٌ مِن فِضَّة، فقال: أَوْسِعي رأسَ الشيخ ولحيتَه، ففعلَت، ثم قال: يا حسن، إياك والسلطان أن تذكُرهم إلا بخير؛ فإنهم ظلُّ الله في الأرض، مَن نصحهم اهتدى، ومَن غشهم غوى، فقلت: أصلحك الله، هكذا بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((وقِّروا السلطان، وأجلُّوهم؛ فإنهم عزُّ الله في الأرض وظلُّه، مَن نصحهم اهتدى، ومَن غشَّهم غوى، إذا كانوا عدولًا))، قال الحجاج: لا والله، ما فيه إذا كانوا عدولًا، ولكنك زدتَ يا حسن، انصرِفْ إلى أصحابِك، فنِعْمَ المُؤدِّبُ أنتَ.
مكارم أخلاق الحسن البصري:
قال جرير بن حازم: كنَّا عند الحسن، وقد انتصف النهار وزاد، فقال ابنه: خِفُّوا عن الشيخ؛ فإنكم قد شققتُم عليه؛ فإنه لم يطعم طعامًا ولا شرابًا، قال: مه - وانتهره - دَعْهم، فوالله ما شيءٌ أقر لعيني مِن رؤيتهم، أو منهم، إن كان الرجل من المسلمين لَيزورُ أخاه فيتحدَّثانِ ويذكران ويحمدان ربَّهما، حتى يمنعه قائلته.وقال عُبَيس أبو عُبَيدة: كان الحسن البصري إذا اشترى شيئًا، وكان في ثمنه كسرٌ، جَبَره لصاحبه.
قَبَسٌ مِن كلام الحسن البصري:
كان الحسن يقول: أهِينُوا هذه الدنيا؛ فوَاللهِ لأهنأ ما تكون إذا أهنتموها.
قال الحسن: الفقيهُ الوَرِعُ الزاهدُ الذي لا يَهمِزمَن فوقه، ولا يسخَرُ بمَن هو أسفل منه، ولا يأخذ على علمٍ علَّمه اللهُ حطامًا.
قال هشام بن حسان: سمِعتُ الحسن يقول - يحلف بالله -: "ما أعزَّ أحدٌ الدرهمَ إلا أذلَّه الله عز وجل".
قال الحسن: لا تُجالِسوا أصحاب الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم.
وصية الحسن عند موته:
قال: أبو طارقٍ السَّعديُّ: شهِدتُ الحسن عند موتِه يُوصِي، فقال لكاتبٍ: اكتُبْ، هذا ما يشهَدُ به الحسن بن أبي الحسن، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، مَن شهِد بها صادقًا عند موته دخل الجنة.
وفاة الحسن البصري:
تُوفِّي الحسن البصري رحمه الله ليلةَ الجمعة، في شهر رجب، سنة عشر ومائة، وهو ابن تسعٍ وثمانين سنةً. وكانت جنازتُه مشهودةً، صلَّوا عليه عقيبَ الجمعة بالبصرة، فشيَّعه الخلق، وازدَحَموا عليه، حتى إن صلاة العصر لم تُقَمْ في الجامع.
 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.