تعريف الدرس والفرق بينه وبين الخطبة

 الدَّرْس هو: « المقدار من العلم يُدْرَس في وقت ما، جمع دُروس وأَدْراس » [1]، وقد جرى العُرف على أن الدروس تطلق على ما يلقيه الخطيب الداعية على جمهور المسجد من موضوعات تعليمية، ووعظية، و تربوية، عقب الصلوات المفروضة، على مدار الأسبوع، وِفْق نظام معين.

وإن الدرس بحاجة إلى دقة من الخطيب المدرِّس، وإلى براعة وإتقان ربما أكثر من الخطبة، وذلك حتى يقبل عليه الجمهور ويستفيدوا، ولْيعلمِ المدرس أنه إذا لم يكن قد أعدّ درسه بعناية، وتزوَّد له بالعلم، وأعدّ نفسه لكل ما يمكن أن يثار من أسئلة حول موضوع درسه، فسوف ينفضّ الناس من حوله، ولن يجد من يستمع إلا بضعة أفراد.
ولا يخفى أن حضور الجمهور للدرس يكون اختياريًا، ولذا فلن يَحْضُروا إلا لمن يلمسون فيه الإفادة والعلم، بعكس خطبة الجمعة مثلًا، فيحضرها الناس عبادة ودينًا، حتى ولو كانوا غير راضين عن مستوى الخطيب وأدائه.
والدرس يختلف عن الخطبة من وجوه، منها:
1- أن الدرس يمكن أن يقال في أي توقيت، أما الخطبة فغالبًا ما تكون موقوتة بزمن معين يحسن الالتزام به، وبعضها يجب فيها الالتزام بالوقت مثل خطبة الجمعة.
2- أن الخطبة لها موضوع معين وعناصر لا تخرج عن إطار الموضوع، وكذا المقدمة والخاتمة جميعها تدور حول الموضوع، أما الدرس فقد يكون شرح آية أو حديث، ويمكن أن يتطرق الشرح إلى جوانب مختلفة وأفكار متنوعة وكلها ذات صلة بالآية أو الحديث، وقد يستطرد الخطيب في درسه لتبْيان نقطة ما، ولا يُنكَر ذلك عليه، بعكس الخطبة.
3- العادة أن الخطيب لا يقاطعه أحد أثناء خطبته ولا يوقفه للاستفسار عن شيء غامض أو خافٍ عليه، أما الدرس فإن هذا ممكن فيه، ولا غضاضة في أن يحدث أخْذٌ وردٌّ، أو استيضاح وإجابة عنه بين المدرِّس وأحد الحضور.
4- الأداء في الخطبة لا يستغني عن الحماسة والانفعال وإثارة العواطف وتحريك المشاعر، ونحو ذلك، بينما الدرس يغلب عليه الهدوء المصحوب بالشرح والإفهام والتعليم.
5- العادة أن الخطيب في خطبته لا يتاح له الاستعانة بوسائل إيضاح أو عرض وتعليم، مثل السبورة، أو شاشة العرض، أو الخريطة الجغرافية، أو نحوها، بينما يكون هذا الأمر متاحًا في الدرس، فيمكن للخطيب المدرِّس أن يصطحب معه ما يحتاجه من وسائل إيضاح؛ كأن يستعين بسبورة ويرسم عليها ويخطط ما به يُفهِم مستمعيه، ويمكن له مثلًا إذا أراد أن يشرح درسًا في غزوة من الغزوات أن يستعين بالخريطة أو يرسمها على السبورة، ويوضح الجهات والدروب والأماكن توضيحًا يقربها إلى الذهن، ويعمق فهمها لدى المستمع، كما أن بإمكانه إذا كان يشرح لهم فقه الصلاة، وما يتعلق بها، أن يقوم بالتطبيق أمامهم، كأن يؤدي الركوع مثلًا أو السجودَ ونحوَهما، كلُّ هذا - كما ترى - متاح في الدرس، بخلاف الخطبة.
6- لغة الخطبة تختلف عن لغة الدرس، ففي الأولى يلتزم الخطيب باللغة الفصحى - مع ملاحظة استبعاد الألفاظ التي تعلو على مدارك المستمعين - ولا يجنح إلى استعمال العامية إلا ما ندر، أما الدرس فلا حرج على المتكلم أن يستعين فيه بالعامية خاصة إذا كان في مقام شرح الأحكام العملية، فهو في حِلٍّ من الالتزام التام بالفصحى، كما يمكن له أن يطعّم درسه بدعابة أو فكاهة تدفع الملل وتقطع الرتابة أثناء الدرس، بأسلوب فيه تبسيط، واقتراب من المستمعين.
7- بعد انتهاء الخطيب من درسه يكون هناك مجال للأسئلة من المستمعين، ومناقشة بينهم وبين المدرس في المجلس، ويجيب عنها، ثم ينصرف الجميع، أما الخطبة فلا يتاح هذا بعدها، والأغلب أن ينصرف الجمهور عقب انتهائها.
ومن الواضح بعد هذا أن الدرس أكثر فائدة للمستمعين، كما أنه أشق على الخطيب من الخطبة التي يُعِدُّها ويرتبها على مهل، ثم يلقيها وينصرف، بينما المدرس عرضة للتساؤل أو الاستفتاء، فإذا لم يكن مُعِدًّا لدرسه إعدادًا عميقًا واسعًا، ومتسلحًا بجواب علميٍّ صحيح لكل ما يَتوقع أن يُسأل فيه؛ لو لم يستعد على هذا النحو لتعرض للزلل والارتباك، ولوَقع في الإحراج أمام الناس، حيث لن يجدوا لديه الردَّ الشافيَ لما يَعِنّ لهم ويُشْكَلُ عليهم.
فالأمر - كما يبدو - ليس هيّنًا، ولابد فيه من العلم، وعلى الخطيب المدرس إذا سُئل عن شيء ولم يكن جوابه حاضرًا؛ أن لا يتورط في الإجابة من غير علم تخلصًا من الإحراج في ظنه لو قال: لا أدري، حيث يتخيل بعض الخطباء أن قوله: لا أدري، يقلَّل من شأنه في نظر الجمهور، فيفتون بغير علم، فيضلون ويُضلون، ويوبقون دنياهم وآخرتهم.
فعلى الخطيب الداعية أن لا يسقط في هذا، بل لا يتردد في أن يقول: لا أدري، لما لا يعلمه، أو يَعِدَ السائلَ بأنه سوف يبحث عن الإجابة ويذكرها له، فليس في هذا ضرر ولا جناح، إنما الضرر والإثم فيمن يتجرأ ويفتي بغير علم، ويفتري على الله الكذب.
وأقترح على الخطيب إن لم يكن لديه ما يؤهله من علم للفُتيا، ويعينه على التصدي لها - خاصة إذا كان مبتدئًا - أن يخصص درسًا للفتوى، ويشيع في جمهوره أن هذا اليوم مخصَّص لذلك، ويجمع الأسئلة منهم على مدار الأسبوع، ثم يجهِّزَ إجابتها في بيته ويحضّرها جيدًا، قبل الذهاب إلى الدرس، فيكون عنده الجواب الصحيح لكل سؤال، دون تعرض للزلل أو الوقوع في حرج.
وإذا كان الخطيب المدرس مرتبطًا بمسجد معين، فيُفضَّل أن ينوع الدروس على مدار أيام الأسبوع، فذا يوم مخصَّص للفقه، وآخر للسيرة، وثالث للعقيدة، ورابع للتفسير، وهكذا.
وكما ذكرنا فإنه مُعرَّض للأسئلة، فعليه أن يعدِّد المصادر التي ينهل منها، ويُعِدّ درسه من خلالها، فمثلًا إذا أراد أن يعِدّ درسًا في السيرة؛ فلا يكتفي بكتاب واحد، بل عليه أن يستمد مادته من أكثر من كتاب، وسيجد في كلٍّ منها فكرة جديدة، ومعلومة مفيدة، أو رواية زائدة عن غيره، وقد يقرأ في كتابٍ رواية واهية، فلا يعرف أنها كذلك إلا من خلال كتاب آخر ينبِّه على ضعفها.
ومن المعروف أن كتب السيرة تختلف في منهجها عن بعضها، فهذا يهتم بالسرد فقط دون تمييز صحيح الروايات من سقيمها، وآخر يهتم بتمحيص المرويات، وينبه على ضعيفها، ويشير إلى صحيحها، وثالث يهتم باستخراج العظات والعبر، وهكذا يثري تنويعُ المصادر موضوعَ الخطيب ودرسه، ويمكّنه من تقديم مادة علميةٍ ثَريّةٍ ونظيفة لجمهوره، كما يجنبه الوقوع في أخطاء قد يتعرض لها حال اقتصاره على مرجع واحد.
..............
[1] المعجم الوسيط 1/289.
 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.