النهى عن أشياء أن لا تفعل في المساجد

المساجد هي مكان اجتماع المسلمين لعبادتهم وطاعتهم وذكر ربهم ، ولهذا أمر الله تعالى بتعظيمها وتشريفها فقال : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ [أي : تعظم] وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) سورة النور / 36-37.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إِنَّمَا هِيَ [ أي : المساجد] لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ) رواه مسلم (285).
ومن تعظيم الله تعالى للمساجد شرع لها أحكاما تخصها ، ونهى عن أشياء أن لا تفعل في المساجد ، ومن ذلك :
1/نِشدان الضالة ، أي : رفع الصوت بالسؤال عن الشيء الضائع ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ : لَا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا ) رواه مسلم (568) .
ومعنى النِشدان : رفع الصوت .
قال الأصمعي : " في كل شيء رفعت به صوتك , فقد أنشدت ، ضالة كانت أو غيرها".
انتهى من " شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي " (1/1279).
فإن سأل عن الشيء دون رفع صوت , كأن يسأل من حوله أو يسأل الإمام بصوت منخفض: فلا بأس بذلك .
قال الباجي في " المنتقى شرح الموطأ " (1/312) : " قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَنْشُدُ الضَّالَّةَ فِي الْمَسْجِدِ : لَا يَقُومُ رَافِعًا صَوْتَهُ ، وَأَمَّا أَنْ يَسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ جُلَسَاءَهُ ، غَيْرَ رَافِعٍ لِصَوْتِهِ : فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ .
وَوَجْهُ ذَلِكَ : أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ مَمْنُوعٌ فِي الْمَسَاجِدِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ ، فَأَمَّا سُؤَالُهُ جَلِيسَهُ فَمِنْ جِنْسِ الْمُحَادِثَةِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ ، مَا لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ اللَّغَط مِنْ الْإِكْثَارِ " انتهى .
ينظر جواب السؤال رقم : (138263) .
ومثل ذلك : النهي عن رفع الصوت بتعريف الضالة ، كأن يجد رجل شيئا في المسجد ، فيرفع صوته : إني وجدت كذا ، أو : من ضاع منه كذا ؟
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه : " إِذَا وَجَدْتَ لُقَطَةً فَعَرِّفْهَا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ , فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْتَرِفُهَا , وَإِلَّا فَشَأْنُكَ بِهَا " رواه عبد الرزاق (18620) .
وقد سئل الإمام مالك رحمه الله : " يُعَرِّفُ اللُّقَطَةَ فِي الْمَسْجِدِ ؟ قَالَ : لَا أُحِبُّ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ عُمَرُ أَنْ تُعَرَّفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ، وَلَوْ مَشَى هَذَا الَّذِي وَجَدَهَا إلَى الْحِلَقِ فِي الْمَسْجِدِ ، يُخْبِرُهُمْ وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ : لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا " انتهى من " التاج والإكليل " (8/42) .
2/البيع والشراء في المسجد .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي المَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ) رواه الترمذي (1321) وصححه الألباني .
3. ومن ذلك تناشد الأشعار , فإن النبي صلى الله عليه وسلم ( نَهَى عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسْجِدِ ) رواه النسائي (415) وحسنه الألباني .
ومعناه : أن ينشد رجل ويجيبه آخر , وهذه صورة توحي أن المسجد تحول إلى منتدى أدبي ، استبدلت فيه الأشعار بالذكر والقرآن .
جاء في " القاموس " (1/322) " وتناشَدوا: أنْشَدَ بعضُهم بعضاً " انتهى .
وبنى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رَحْبَةً فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ ، تُسَمَّى الْبُطَيْحَاءَ ، وَقَالَ : " مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَلْغَطَ أَوْ يُنْشِدَ شِعْرًا ، أَوْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ ، فلْيَخْرُجْ إِلَى هَذِهِ الرَّحْبَةِ " رواه مالك في " الموطأ " بلاغاً (93) ووصله غيره .
جاء في " فتح الباري " لابن رجب (3/334) " وقال ابن عبد البر : إنما يُنشد الشعر في المسجد غِبّاً ؛ من غير مداومة " انتهى ، ومعنى (غبًّا) أي : مرة بعد أخرى بلا مداومة .
ويتأكد النهي إذا كانت الأشعار من الموضوعات التي يهيم فيها الشعراء من غزل ومدح وهجاء .
وأما إنشاد الشعر المباح فيه : فلا بأس به .
قال ابن رجب في " فتح الباري " (3/335) : " وجمهور العلماء على جواز إنشاد الشعر المباح في المساجد " انتهى .
وإذا كان الشعر محتوياً على المعاني العالية ، كالدفاع عن الإسلام وتبيين فضائله والدعوة إليه , وكذا المتون العلمية ونحوها : فذلك مشروع .
قال حسان بن ثابت شاعر الرسول لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما لما نهاه عن إنشاد الشعر في المسجد : " كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ ( أي : المسجد ) ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ (يعني : رسول الله صلى الله عليه وسلم ) " رواه البخاري (3212) .
قال النووي في " المجموع " (2/177) " لَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ مَدْحًا لِلنُّبُوَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ ، أَوْ كَانَ حِكْمَةً ، أَوْ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَوْ الزُّهْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ من أنواع الخير: فأما ما فيه شيء مَذْمُومٌ ، كَهَجْوِ مُسْلِمٍ أَوْ صِفَةِ الْخَمْرِ أَوْ ذِكْرِ النِّسَاءِ أَوْ الْمُرْدِ أَوْ مَدْحِ ظَالِمٍ أَوْ افْتِخَارٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ : فَحَرَامٌ " انتهى .
4/الحديث في أمر الدنيا ، بحيث يكون هو غالب شأنهم ، مع ما يصحبه من التشويش، واللغط ، ورفع الصوت ، حتى يصير المسجد بذلك كأنه منتدى لأحاديث الدنيا , فإن المساجد لم تبن لذلك .
وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه : " بَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي المَسَاجِدِ".
ثم روى فيه (470) بإسناده : عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : " كُنْتُ قَائِمًا فِي المَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ ، فَجِئْتُهُ بِهِمَا، قَالَ: مَنْ أَنْتُمَا - أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ - قَالاَ: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ ، قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ البَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
قال ابن مفلح في " الآداب الشرعية " (3/382) : " وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ عَنْ لَغَطٍ وَكَثْرَةِ حَدِيثٍ لَاغٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ بِمَكْرُوهٍ " انتهى .
وأما إن كان الحديث الدنيوي ليس غالباً على حديث الجالسين في المسجد ، ولم يكن فيه تشويش على المصلين والذاكرين ، ولا لغط ورفع صوت : فلا بأس به كما جاء في حديث جابر سمرة " كَانَ: النبي صلى الله عليه وسلم لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ ، أَوِ الْغَدَاةَ ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ ، وَكَانُوا [أي : الصحابة] يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَيَضْحَكُونَ ، وَيَتَبَسَّمُ " رواه مسلم (670).
قال النووي في " المجموع " (2/177) : " يَجُوزُ التَّحَدُّثُ بِالْحَدِيثِ الْمُبَاحِ فِي الْمَسْجِدِ وَبِأُمُورِ الدُّنْيَا وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُبَاحَاتِ ، وَإِنْ حَصَلَ فِيهِ ضَحِكٌ وَنَحْوُهُ مَا دَامَ مُبَاحًا لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " انتهى .
5/رفع الصوت في المسجد عموماً , ولو بقراءة قرآن أو الذكر ، إذا كان يشوش على الحاضرين في المسجد , إلا ما رخص الشرع برفع الصوت فيه ، كالأذان والصلاة الجهرية والخطبة , ونحو ذلك .
وفي الحديث : ( وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ [يعني : في المساجد] ) رواه مسلم (432) .قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (4/156) "أَيِ اخْتِلَاطُهَا وَالْمُنَازَعَةُ وَالْخُصُومَاتُ وَارْتِفَاعُ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطُ وَالْفِتَنُ الَّتِي فِيهَا " انتهى .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : " اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ ، فَكَشَفَ السِّتْرَ ، وَقَالَ : ( أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ , أَوْ قَالَ : فِي الصَّلَاةِ ) رواه أبو داود (1332) ، وصححه الألباني .

قال النووي في " المجموع " (2/175) : " تُكْرَهُ الْخُصُومَةُ فِي الْمَسْجِدِ ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِ " انتهى . 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.