بناء مسجد قريبا من مقبرة لغير المسلمين

 من الأحكام الشرعية التي قصد بها قطع دابر الفتنة ، وسد ذرائع الشرك ، وإغلاق أبواب الغلو : النهي عن اتخاذ القبور مساجد ، أو الصلاة إليها ، أو اتخاذ المقبرة مكانا للصلاة .

ولا فرق في ذلك بين قبور المسلمين ، أو قبور المشركين ؛ بل قبور المسلمين ، والصالحين منهم ، أولى بالابتعاد عنها ؛ لأنها مظنة الشرك والفتنة بها .
روى البخاري (436) ومسلم (531) أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ ، رضي الله عنهم ، قَالَا : لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ : ( لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ؛ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا ) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ ) .
رواه الإمام أحمد (11379) وأبو داود (492) والترمذي (317) ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وجوّد شيخ الإسلام ابن تيمية إسناده ، كما في اقتضاء الصراط (232) ، وصححه أيضا : الشيخ الألباني ، ومحققو المسند . لكن رجح الدارقطني ، والترمذي إرساله .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، معلومة .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ، في فوائد غزوة تبوك ، وما فيها من ذكر مسجد الضرار الذي نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ، عن الصلاة فيه :
" ومنها: أن الوقف لا يصح على غير برٍّ ولا قُربة ، كما لم يصحَّ وقفُ هذا المسجد [ يعني : مسجد الضرار ] . وعلى هذا : فيُهدم المسجد إذا بُني على قبر ، كما يُنبش الميتُ إذا دُفِنَ في المسجد . نص على ذلك الإمام أحمد وغيرُه .
فلا يجتمع فى دين الإسلام مسجدٌ وقبر ، بل أيُّهما طرأ على الآخر . منع منه ، وكان الحكم لِلسابق ، فلو وُضِعا معاً ، لم يجز ، ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز ، ولا تَصِحُّ الصلاة فى هذا المسجد ؛ لنهى رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك ، ولعنه مَن اتخذ القبر مسجداً ، أو أوقد عليه سراجاً .
فهذا دينُ الإسلام الذى بعث الله به رسوله ونبيه، وغربتُه بينَ الناس كما ترى !!" انتهى .
"زاد المعاد في هدي خير العباد" (3/572) .
أما إذا كانت القبور أو المقبرة قريبة من المكان الذي يراد بناء المسجد فيه : فلا بأس ببناء المسجد بشروط ثلاثة :
1- ألا يقصد ببناء المسجد تعظيم تلك القبور أو التبرك بها .
2- ألا تكون القبور في قبلة المسجد . لحديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا ) رواه مسلم (رقم/972) .
3- أن يفصل المسجد عنها فصلا محكما ، بحيث لا تدخل هذه القبور في شيء من ساحات المسجد أو فنائه ، وبحيث يظهر للعيان ظهورا بينا أن المسجد منفصل عن المقبرة تماما ، بنحو طريق ، أو شارع ، أو خلاء واسع ، أو غير ذلك .
" قال أبو بكر الأثرم : سمعت أبا عبد الله - يعني : أحمد بن حنبل رحمه الله - يُسأل عن الصلاة في المقبرة ؟ فكره الصلاة في المقبرة . فقيل له : المسجد يكون بين القبور ، أيصلي فيه ؟ فكره ذَلِكَ . قيل لَهُ : إنه مسجد وبينه وبين القبور حاجز ؟ فكره أن يصلى فيه الفرض ، ورخص أن يصلى فيه على الجنائز . وذكر حديث أبي مرثد الغنوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تصلوا إلى القبور ) ، وقال: إسناد جيد " انتهى. " فتح الباري " لابن رجب (2/398).
والحاصل : أنه لا مانع من بناء المسجد في منطقة قريبة من مقابر المشركين ـ أو المسلمين ـ بشرط ألا يكون المسجد في حيز المقبرة ، وهي منطقة المقابر ، بل منفصل عنها انفصالا بينا ، بطريق أو نحوه .
لكن متى تيسر لكم مكان آخر ، بعيد عن منطقة المقبرة ، فهو أولى وأحوط ، خشية من أن يصل امتداد المقبرة ـ مع الوقت ـ إلى حدود المسجد .

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.