إمام المسجد ودوره التربوي في رمضان

الإمام هو خليفة رسول الله داخل المسجد، ورسالة الإسلام إلى العوام، ووجهه أمام الجهلاء، هو أحد الصالحين الذين يحب الناس النظر في وجوههم، صاحب الهيبة والمهابة، رفيقه القرآن، وبيته المحراب، وأهله العلم، إنه إمام المسجد الذي دعا له رسول الله قائلًا: "اللهم اهدِ الأئمة".

وفي هذا الشهر الكريم تمتلئ المساجد بالمصلين، وتكتظ بالتائبين الباحثين على إمام ينقذهم من غرقهم، ويهديهم إلى طريق الصواب، ومن هنا عظمت رسالة الإمام في هذا الشهر، فعليه أن يرشد الضالين ويهدي التائهين، ويظهر الإسلام في صورته الواضحة البينة التي ليس فيها خلل ولا جمود، ليخرج الناس من رمضان الشهر إلى

رمضان السنة، طريق مستقيم وقلب سليم.

أمور يجب على الأئمة مراعاتها

توجه إلى الله بقلب سليم

عليك أن تتوجه إلى الله بقلب سليم والقلب السليم أساسه تقوى الله جل وعلا في السر والعلن, ليتحقق الإخلاص في القول والعمل، فهما سبب التوفيق والنجاح في الدنيا والفلاح في الأخر.

إنها لأمانة

الإمامة أمانة.. فالله الله في أداء الأمانة، فإنك صورة الإسلام عن العامة، فلو رأوا منك إعوجاجا لن يقوموه بحد السبف كما فعل العامة مع عمر الفاروق، ولكنهم سيواجهونه بالهروب من المسجد، ويقع العذر عليك لأنك ضيعت الأمانة وضيعت المصليين.

 لذلك عليك الحرص على أداء الصلاة في وقتها, وعدم التخلف عنها إلا لعذر شرعي وإنابة من تبرؤ به الذمة حال الغياب الضروري فأنت قدوة في قولك وعملك فكيف تريد من الناس المحافظة على الصلاة وأنت لاتحافظ عليها أو تتخلف عن أدائها.

استعد بالعلم

احرص على الاستعداد العلمي لرمضان بمعرفة أحكام الصيام والقيام والاعتكاف وزكاة الفطر وأحكام العيد والست من شوال حيث إنك تحتاج لذلك لتقوم بعبادتك على الوجه المطلوب، والناس سيسألونك – ولاشك - عن ذلك، ويستطيع الإمام أن يتفقه في ذلك بقراءة الكتب الفقهية عن الصيام أو قراءة فتاوى العلماء الكبار في ذلك أو الملخصات الفقهية المعتمدة أو سماع الدروس العلمية التي تتحدث عن الصيام وأحكامه ومخالفاته مثل: الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان، الصيام آداب وأحكام للدكتور عبدالله الطيار, مخالفات الصيام للشيخ / عبدالعزيز السدحان.

 كن صورة الإسلام

عليك أن تكون قدوة، فالقدوة الحسنة هي من أنفع الوسائل وأقربها للنجاح في مهمتك في رمضان أو بعد رمضان، وتظل كلمات المربين مجرد كلمات ويظل المنهج مجرد حبراً علي ورق، ويظل معلقاً في الفضاء، إذا لم يتحول إلى حقيقة واقعة، وما لم يترجم إلى تصرفات وسلوك ومعايير ثابتة عند هذا القدوة، عندئذ يتحول المنهج إلى حقيقة واقعة، وتتحول الكلمات إلى سلوك وأخلاق عندئذ فقط تؤتي الكلمات ثمارها في حياة الإمام القدوة.

فإن لخطيب وإمام المسجد فاعلية كبرى في نفوس المصلين والمسلمين من أي وسيلة أخرى, لأن إمام و خطيب المسجد بما يملك من علم و معرفة و ثقة متبادلة ما بينه, و بين المصلين يستطيع – إن وفقه الله - أن يؤثر في هؤلاء بكل سهل  و يسر, كما يستطيع أن يقتلع جذور الظلم, و الشر من نفوس كثير من الناس, و يعيد بعث الخشية من الله تعالى, و حب الحق  و أهله, و قبول العدل و ما ينتج عنه, و إصلاح النفوس و تربيتها على الآداب الفاضلة, و الأخلاق الحميدة و العقيدة الصحيحة .

 ولا يمكن أن ينجح إمام و خطيب المسجد في أداء أي مهمة إلا إذا أخلص النية لله تعالى, ثم حاول محاكاة أسلوب الرسول – صلى الله عليه وسلم – و الذي كان يأخذ بألباب سامعيه و استدراجه اللبق لأفهامهم وبالصوت العذب, والحجة الظاهرة الدامغة, ومراعاة مقتضى الحال, فلكل مقام مقال.

أخلاق الإمام

تواضع لله

التواضع هو خفض الجناح ولين الجانب" وهو التواضع هو أخلاق الأنبياء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: طما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" [رواه مسلم].

وثبت عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ  رضي الله عنه , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: "مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلا فِي رَأْسِهِ حَكَمة بِيَدِ مَلَكٍ, فَإِذَا تَوَاضَعَ قِيلَ لِلْمَلَكِ: ارْفَعْ حَكَمَته, وَإِذَا تَكَبَّرَ قِيلَ لِلْمَلَكِ: ضَعْ حكمته" [الطبراني].

 وسئل الفضيل بن عياض- رحمه الله عن التواضع؟ فقال: يخضع للحق، وينقاد له ويقبله ممن قاله، ولو سمعه من صبي قبله، ولو سمعه من أجهل الناس قبله، وقال أبو يزيد البسطامي: هو أن لا يرى لنفسه مقاما ولا حالا، ولا يرى في الخلق شرا منه. وقال ابن عطاء: هو قبول الحق".

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : "يقول الله تبارك وتعالى: من تواضع لي هكذا -وجعل يزيد باطن كفه إلى الأرض وأدناها- رفعته هكذا -وجعل باطن كفه إلى السماء ورفعها نحو السماء-" [رواه أحمد والبزار].

كن صبورًا

على الإمام أن يتحمل آذى الناس وعفويتهم وإلحاحهم على بعض المسائل الفقهية

لأن الطريق إلى الله يحتاج صبر طويل وجهد شاق.

يقول تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابرو ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)

 فهو سبحانه يأمر بالصبر وما كان سبحانه أن يكلفنا بعمل وهم يعلم أنه فوق طاقتنا.

ولنا في سيرة الأنبياء طرق طويل مع الصبر فالله يأمر نبيه بالصبر مع من يدعوهم فيقول سبحانه: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(الكهف: من الآية28).

أهل القرآن

على الإمام أن يتمسك بالقرآن، وأن يرعي عظمته وقدسيته، فإن القرآن هو النور المبين، وعليه أن يستعين بالقرآن في كل وقت، أن يؤيد كلامه ببعض الآيات، فقد ثبت أن الكلام المزين بالآيات والأحاديث له تأثير أكبر في النفوس من الكلام الخالي منهما.

وعليه أن يشكر اللعه على نعمة القرآن، فإن الله لا يختص بالقرآن إلا عباده المخلصين الذين سيحملوا الرسالة ويرفعوا الراية.

فعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "أبشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبدًا".

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ) إن لله أهلين من الناس قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته.

وقال - صلى الله عليه وسلم: "من استمع إلى آية من كتاب الله، كتب له حسنة مضاعفة ومن تلاها كانت له نورًا يوم القيامة".

وقال - صلى الله عليه وسلم: "يقول الرب تبارك وتعالى: من شغله القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه".

الدور التربوي

أولاً: إقامة الدروس العامة، التي من شأنها تفقيه المسلمين، وتعليمهم حقائق دينهم من كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- مع العناية بسلامة العقيدة من الخرافات، وسلامة العبادة من البدع، وسلامة الأخلاق والآداب من الغلو والتفريط.

ثانياً: إقامة الندوات والمحاضرات لمواجهة شبهة، أو فكر منحرف، أو حل مشكلة اجتماعية ينتدب لها المتخصصون، أو التركيز على جوانب تتعلق بمناسبة معينة، أو الحديث في موضوع من شأنه تثبيت معنى الأخوة الإسلامية، ومقاومة النزعات والعصبيات العنصرية المفرقة للأمة الواحدة.

ثالثاً: إنشاء مكتبة تضم مجموعة من الكتب المنوعة، مع التركيز فيها على كتب السلف المعتمدة، وتحديد أوقات المطالعة فيها، وإسناد الإشراف عليها إلى شخص له خبرة بالكتب، وثقافة واسعة، وبعد نظره حتى لا تكون المكتبة وسيلة لنشر الكتاب الذي قد امتلأ بالمفاهيم المغلوطة، أو موضوعات الإثارة، أو قضايا الخلاف التي لا تفيد, ويكون الإشراف والمسئولية على إمام المسجد.

رابعاً: فتح حلقات تحفيظ القرآن بالتنسيق مع جماعة تحفيظ القرآن الكريم، لتكليف المعلم ويتولى الإمام، وأسرة المسجد الإشراف والمتابعة كما هو حاصل في بعض الجوامع التي وفقت بإمام نشيط، وله اهتمامات وعناية بكتاب الله -عز وجل- وبأبناء الحي أو القرية.

خامساً: يقوم الإمام المتخصص القادر بالتنسيق مع الجهة المعنية بفتح حلقات لتعليم الراغبين سواء كانت هذه الدروس التخصصية في فروع متعددة أو في مجال معين يحدده هو، كأن يركز على دروس العقيدة؛ لأن له بذلك اهتماماً أكثر من غيره, أو على جانب الفقه أو التفسير أو الحديث أو السيرة.

وأما الذي لا يستطيع القيام بالدروس العامة أو التخصصية، فإن عليه بالتنسيق مع الجهة المسئولة أن يرتب درساً يكون في الأسبوع لعالم من العلماء أو في الأسبوعين، خاصة إذا لم يكن في المنطقة شيء من هذا، ولا نقصد تحويل جميع المساجد الجوامع إلى دروس مستمرة ومتنوعة؛ لأن هذا لا يتأتى، وقد يزيد على الحاجة فيمل الناس، وإنما نقصد اختيار مسجد من المساجد، وتركيز الدروس فيه مع التنسيق بين أئمة الجوامع، هذا في الدروس الثابتة أمام إقامة محاضرة أو ندوة يدعى فيها العلماء؛ فإن المساجد كلها بحاجة، وهذا ممكن وسهل جداً؛ خاصة وأن الله قد ميز كثير من بلدان المسلمين في هذا الزمن بكثرة الدعاة طلاب العلم الغيورين الذين لديهم الاستعداد للقيام بالمحاضرات والندوات والدروس في مختلف الجهات.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.