طيب المساجد .. زينة المصل في لقاء الله

جميعنا يلبس أحسن ما عنده، ويتطيب بأحب العطور وأغلاها خلال زيارته لشخص آخر بمنزله، فكيف لنا ونحن في زيارة رب العالمين، في بيته وأحب الأماكن إليه .. المسجد: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18)} الجن.

زيارتنا لبيوت الله تعالى ، يجب أن تكون بأفضل الثياب وأذكاها رائحة ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه: {إنّ بيوتي في أرضي المساجد، وإنّ زوّاري فيها عمّارها، فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثم زارني في بيتي فحقّ على المزور أن يكرم زائره} رواه أبو نعيم.

فالمساجد هي المكان المنوط به جمع شمل الأمة، وملكها مشاع بين المسلمين، وحق على زائريها مراعاة غيرهم من عمارها بالرائحة الطيبة والمحبة .

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه:{ إنّ بيوتي في أرضي المساجد، وإنّ زوّاري فيها عمّارها، فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثم زارني في بيتي فحقّ على المزور أن يكرم زائره} رواه أبو نعيم.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله تعالى:{ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر.. الآية} } . رواه الترمذي.

وفي منازل القيامة، وكربات مواقفها، وأهوال مشاهدها، يكون في ظل عرش الرحمن، آمنا مطمئنا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله ـ وعد منهم ـ ورجل قلبه معلق بالمساجد} متفق عليه.

وعلى عمار المساجد والقائمين عليها على حد سواء العلم أن المساجد ليست فقط أماكن للعبادة، أو لذكر الله، فهي أيضا بيوت الله يأوي اليها المسلم منقطعا عن صخب الحياة المادية، ولابد له من أن يجد فيها رياحين الفردوس ، لتسهل له حالة التأمل والاستغراق في ذكر الله وتلاوة القرآن والتعبد، فالأرض كلها جعلت لأمة النبي صلى الله عليه وسلم مسجدا وطهورا، وتصلح لأداء الأركان والواجبات، قال أبو ذر رضي الله عنه: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال:"المسجد الحرام". قلت: ثم أي؟ قال:{ ثم المسجد الأقصى} قلت: كم بينهما؟ قال:{ أربعون عاما}. ثما قال:{ أينما أدركتك الصلاة فصلّ فهو مسجد} رواه الجماعة، وعليه فإن دور المسجد أكبر من كونه مكان للصلاة أو الدعاء، ولإطالة مدة البقاء به يجب أن يكون طيبا طهوريا ، ذو رائحة ذكية محببة للنفس وغير منفرة.

وعليه أخي إمام المسجد وأخوتي المسئولين عنه، علينا الإدراك بأن المساجد بيوت الله، وصيانتها من الأدناس قربة, وتنظيفها طاعة, وتطييبها عبادة، أرأيت حال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأى نخامة في جدار المسجد تغير وجهه, منكرا ذلك الفعل وآمرا بإزالتها. و من عظيم فضل العناية بالمسجد أن جارية دخلت الجنة بسبب كنسها له.

وللأسف أخي المسلم، فإن  واقع كثير من المساجد الآن تشكو حالها, وتبكي مآلها, لقلة وعي أكثر أهلها بأحكامها وآدابها. فمنهم من يرتادها بلباس النور، وآخر بلباس مهترئ غير معتني برائحته أو شكله، وآخر بلباس العمل، وغيرهم الكثير ممن لا يكلفون أنفسهم عناء الاستعداد للقاء الله في بيته .

كل هذا يدل على عدم الاحترام والتقدير للمسجد وللمصلين ففي الحديث (من أكل الثوم والبصل فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ) رواه البخاري ومسلم فأربأ بنفسك عن أذية إخوانك المصلين وملائكة الله المقربين.

    أخي المصل: إعلم أن حسن المظهر وجميل الملبس, وطيب الرائحة مطالب إسلامية مرغوب فيها عند أداء الصلاة وعند حضور الجمع والجماعات " يا بني لآدم خذوا زينتكم عند كل مسجد" أيضاً أفرأيت لِما شُرع السواك عند الصلاة لأنه مطهرة للفم ومرضاة للرب.

خذوا زينتكم

مما سبق يتضح لنا أهمية أن يصرف المؤمون شئ من زينته لله سبحانه وتعالى، ويكون مستعدا بأفضل حال للوقوف بين يديه، وقدوتنا في ذلك نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يلبس أحسن لباس ويتعطر بأزكى رائحة بل كان عبق طيبة يفوح في طريقه.

 وقد أخذ بهذا المبدأ خير القرون من بعده فنهجوا نهجه, وسلكوا هديه, فعظموا الدين فأعلى الله شأنهم وأبقى ذكرهم.

طيب الرائحة

    ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم طيب الرائحة فجسمه يفوح طيبا فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( ما شممت عنبرا قط ولا مسكا ولا شيئا أطيب من ريح الرسول صلى الله عليه وسلم ) رواه مسلم. بل إذا وضع يده صلى الله عليه وسلم على رأس الصبي عرف أهله أنه صلى الله عليه وسلم قد مس ابنهم لطيب رائحة الصبي, ومع هذه الرائحة العطرة, فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر ويبالغ في استعمال الطيب حتى أنك لتجد لمعان المسك في مفرق رأسه, ولربما استمر الطيب في رأسه أياماً لكثرته.

    وكان يُعرف بطيب رائحته إذا أقبل أو أدبر, فمن كانت هذه صفته فهو أبعد الناس عن الرائحة الكريهة, بل إنه ترك كثيرا من المباحات كالثوم والبصل والكراث ونحوها لرائحتها الكريهة فهو طيب لا يقبل إلا الطيب.

إذن إخواني في الله، هذه صورة الرسول صلى الله عليه وسلم أمامكم، وحقيقه تطيبه مثبتة لكم ، نسوقها إلى كل مسلم ليرتفع في سلوكه وأدبه إلى مصاف النفوس السليمة, مجانبا كل خلق قد يؤدي إلى أذية المسلمين عامة والمصلين خاصة.

هذا عن طيب الملبس والذات، فماذا عن طيب المكان .. المسجد، لما كان الطيب والبخور من علامات الإكرام والتشريف كان حريّا أن نجدها في أماكن العبادة فهي أولى.

فالمساجد أماكن عامة, تؤدى فيها أعظم عبادة, فهي بحاجة إلى كل عناية ورعاية, لتؤدي النفس عبادتها وهي مقبلة بخشوع وطمأنينة.

  فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمر رسول صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور, وأن تنظف وتطيب) رواه الخمسة إلا النسائي ورجا له ثقات. والدور: هي الأحياء.

    وعند ابن ماجة (واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمّروها في الجُمع) المطاهر: محال الوضوء. والتجمير: هو التبخر لها.

    و تطييب المساجد عام لكل أحد من إمام ومؤذن وغيرهما, وإن أُوكل الأمر لأحد كان أفضل وأكمل، والتطيب يكون بعود البخور أو الندى وغيرهما مما هو مستحسن عُرفا, وسواء كان مما يتبخر به أو يرش رشاً أو غيرهما فالمقصود هو جلب الرائحة الزكية، وهذه الخصلة غابت عن الكثير من المصلين, وبعض الأئمة والمؤذنين. مع أنها قربة وعبادة وطاعة وامتثال.

تطييب المساجد

    ويتأكد تطييب المساجد يوم الجمعة, ولأن عمر رضي الله عنه كان يطيب مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم كل جمعة قبل الصلاة. كما أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه كان يبخر الكعبة في كل يوم ويضاعف الطيب يوم الجمعة.

    وسار على هذه السنة السلف والخلف حتى أن معاوية رضي الله عنه أجرى وظيفة الطيب للكعبة عند كل صلاة, وقالت عائشة رضي الله عنها (لأن أطيب الكعبة أحب إلي من أن أُهدي لها ذهبا وفضة، هكذا كانت المساجد الإسلامية محل عناية ورعاية وتطهير وتطييب، حتى اختلت الموازين وتقلبت المفاهيم فنتج عنه قلة الوعي بأحكام المساجد عند كثير من المصلين.

حق المساجد

وكما على الإمام وجماعة المسجد دور في الدعوة ، ونشر الدور التوعوي والدعوي للمسجد ، عليهم أيضا واجب الرفع من قيمته لدى مرتاديه، والبعد به عن الدنس، فشتان بين إمام لم يأبه بمسجده, وبين أمام همه مسجده تطييبا وتأليفا ورعاية.

    وليعلم الجميع أن جلب الرائحة الزكية للمسجد تجلب السرور للمصلين, لأن من فوائد الطيب أنه يفرح القلب, ويغذي الروح.

مباخر قبلة الصلاة

قدوة السلف  

وكما أن سلفنا الصالح هو قدوتنا في كل شيء، وكما أنه السراج المنير لنا في طريق الإيمان، فإن قصصهم والعبر المستقاة منهم تنير طريقنا ليوم القيامة، فلهم في مسألة التطيب للصلاة وعند المساجد قصص تروى، وعبر تدرس، حتى أن بعضهم صار يعرف بالرائحة الزكية في ذهابه وإيابه لتزينه بأطيب الطيب، حينما يقصد الصلاة والمسجد.

وما كان من سلمة رضي الله عنه أنه إذا توضأ أخذ المسك فمسح به وجهه ويديه، وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يعرف بريح الطيب, وكان يعجبه إذا قام إلى الصلاة (الريح الطيبة, والثياب النقية)، أما عبد الله بن عباس رضي الله عنه فقد كان إذا خرج إلى المسجد عرف أهل الطريق أنه مر من طيب ريحه، وكان عبد الله بن عمر رضي االله عنه (يتطيب للجمعة والعيدين كان يأمر بثيابه أن تجمر كل جمعة)، فيما عُرف عثمان بن عروة بن الزبير بكثرة وضع الغالية, كما وكان حين يقوم من مصلاه يأتي الناس إلى مكانه ويسْلُتون الغالية من على الحصباء مما أصابها من لحيته.

وقال عثمان بن عبيد الله (رأيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا قتادة وأبا أسيد الساعدي يمرون علينا ونحن في الكُتّاب فنجد منهم ريح العبير وهو الخلوق) (مصنف بن أبي شيبة (2/305)والآداب الكبرى (3/529) وموطأ مالك ) هكذا كانت مكانة الصلاة والمساجد عند سلفنا الأفذاذ لمعرفتهم حق المعرفة عظم تلك العبادة ولمعرفتهم أيضاً بين يدي من سيقفون فرحمهم الله رحمة واسعة.

الصلاة وزينة اللباس

ومن المعروف أن التبذل ورثاثة الملبس ليست من الإسلام فقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً عليه ثياب وسخة فقال (أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه؟) رواه أبو داوود وصححه الألباني. لأن وسخ الثوب وكريه الرائحة ينفر الناس عنه. فمن كان على هذه الحال فقد آذى المصلين ونفرهم عنه. فهل يعي أصحاب المهن, وأهل الثياب الرثة هذا الأدب الرفيع؟، مع ضرورة اختيار أحسن الثياب لصلاة الجمعة والعيدين ففي الحديث ( من اغتسل يوم الجمعة, ومس من طيب إن كان له, ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد ثم يركع ما بدا له, ولم يؤذ أحدا, ثم أنصت إذا خرج أمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينهما ) رواه أحمد وصححه الألباني ولقصة عمر رضي الله عنه ( عندما عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم حلة من حرير ليتجمل بها للجمعة ويستقبل بها الوفود) هكذا يحرص الإسلام على انتشال المرء من كل ما يشينه, فيضفي عليه ما يزينه ويحببه إلى الآخرين زارعاً المحبة والألفة بين أبناء المجتمع الإسلامي.

    وقال أبو العالية رضي الله عنه ( كان المسلمون إذا تزاوروا تجملوا) إذا كانت هذه حالهم عند التزاور فيما بينهم, فهم عند الصلاة أجمل وأبلغ لعظم حق الله.

وقال الشافعي رحمه الله ((أُحب ــ الغسل والطيب والنظافة ــ للجمعة والعيدين وكل مجتمع تجتمع فيه الناس ) فهل هناك أعظم من الاجتماع للصلاة؟ حيث إجابة نداء الحق. ويروى أن الإمام أحمد رحمه الله من أنقى الناس ثوبا وأشدهم تعاهدا لنفسه وثوبه.

وسئل إبراهيم النخعي رحمه الله ما ألبس من الثياب قال ( مالا يشهرك عند الناس, ولا يحقرك عند السفهاء ) إن من دخل المسجد بلباس نومه, أو بلباس صنعته هل ترى سيلقى الاحترام والتوقير بل أنه عرض نفسه للنبز والاغتياب فرحم الله امرأ كف نفسه عن الاغتياب.

    وأخيرا حال الإمام مالك عند جلوسه لدرس الحديث وهي حال كثير من العلماء (كان رحمه الله يتهيأ ويلبس ثيابه وتاجه, وعمامته ثم يُطرق برأسه فلا يتنخم ولا يبزق ولا يعبث بشيء من لحيته حتى يفرغ من القراءة إعظاما لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ).

نخلص مما سبق أن التطهر والريح الذكية اقتداءا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم من المستحبات عن الصلاة، كما أن نظافة المسجد وريحه الطيبة وتطهره من الدنس ، واجب على الجميع منهم الإمام والمؤذن وجماعة المسجد، والمصلين أيضا، كما أن إحياء أهمية الصلاة, ومكانة المسجد لدى الناس مسئولية الجميع.

أخي الإمام، كن خير هاد وداعية، واعلم أن من دل على خير كان له من الأجر مثل أجور من تبعه, فصلاح الأمة يكون بجهود رجالها العاملين المخلصين.

ونسأل الله أن يبارك للجميع في مبتغاه من الخير والإحسان..  وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه أجمعين.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.