فضل بناء المساجد وصيانتها

في كل بلاد العالم، في المدن الكبرى، وفي القرى النائية كذلك.. حالة غير مسبوقة لتلبية النزعة الاستهلاكية، بين المركز التجاري والآخر سوق مفتوح ممتليء بالبضائع، تنافس غير عادي في عرض السلع وتكرارها، وحمى شراء تفرض نفسها على الصغار والكبار، حتى أصبحت السعادة تتجسد لدى الكثيرين في شراء المزيد والمزيد.

وعلى الرغم من أن هذه الأسواق هي شر بقاع الأرض، كما في الحديث الصحيح: "أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها". رواه مسلم. فهي تذكر بالدنيا وتلهي القلب عن التزود للآخرة، إلا أننا نجد التكالب على بنائها والمساهمة فيها والتواجد داخلها..

ولك أن تعقد مقارنة عاجلة، بين شر بقاع الأرض وخيرها، بين الأسواق والمساجد.. قارن بين حال القلب في هذه وتلك، بين الناشئة الذين تُعلق قلوبهم بالمساجد، وأقرانهم الذين يغرسهم آباؤهم وأمهاتهم في الأسواق بالساعات، يتطلعون ويشترون ويشتهون بلا شبع ولا رضا.. بين من انقلب حاله، فأصبح دخوله إلى المساجد عبورا سريعا وخاطفا، بينما مكوثه في الأسواق متكررا وطويلا.. ثم اعقد مقارنة بين من يبني مسجدا ومن يبني سوقًا، من يساهم في بناء مسجد، ومن يُساهم في بناء سوق.. وليس المراد التنفير من طلب الرزق والتجارة الحلال، ولكن هذا التكالب الشديد على كثرة بناء الأسواق في ظل فاقة بلاد ومدن كثيرة إلى بيوت لله يذكر فيها اسمه، أمر يسترعي الانتباه، ويدل على خلل في التفكير.

قال الإمام النووي – رحمه الله-: (قوله أحب البلاد إلى الله مساجدها لأنها بيوت الطاعات وأساسها على التقوى قوله وأبغض البلاد إلى الله أسواقها لأنها محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة وإخلاف الوعد والإعراض عن ذكر الله وغير ذلك مما في معناه).

وقال أيضًا: (أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها، لأنها بيوت خُصَّت بالذكر، وبقع أُسِّسَت للتقوى، والعمل الصالح، فالمساجد مواضع نزول رحمة الله وفضله، والأسواق على الضد منها). شرح مسلم للنووي.

فضل بناء المساجد:

والأدلة كثيرة على فضل بناء المساجد، نذكر منها:

قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِدًا ، مِنْ مَالِهِ ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ". أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني.

وقوله: مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِدًا ، صَغِيرًا كَانَ ، أَوْ كَبِيرًا، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّة". أخرجه الترمذي.

وأشار أهل العلم إلى عدد من الأمور لنيل هذا الفضل، منها:

1ـ وجوب الإخلاص، والابتعاد عن طلب الذكر والشهرة من بناء المسجد، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من بنى لله مسجدًا". فتقديم الجار والمجرور فيه تشديد على أهمية الإخلاص، وأن يكون البناء لله وليس لأي أحد أو غرض.

 2ـ يحصل الأجر- إن شاء الله- سواء كان المسجد صغيرا أم كبيرا، لقوله: "مسجدا" التنكير فيه للشيوع، فيدخل فيه الكبير والصغير، وجاء النصّ صراحة على هذا في قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ".  قال البوصيري: إِسْنَاده صَحِيح وَرِجَاله ثِقَات.

3ـ يتحقق الفضل بمشاركة المسلم غيره في البناء.

4ـ بناء المساجد من الصدقات الجارية، لما روي عن أنس – رضي الله عنه- مرفوعا: "سبع يجري للعبد أجرها بعد موته وهو في قبره، من علم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجدًا، أو ورث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته". حسنه الألباني في صحيح الجامع.

5ـ قال أهل العلم أن الفضل وإن كان يتحقق ببناء المسجد في أي مكان، إلا أنه يتأكد عند حاجة أهل البلد، فالقرية التي لا يوجد فيها مسجد وبها مسلمين أحوج من غيرها من الأماكن التي تكثر بها المساجد، فيكون بناء المسجد بها أفضل من هذا الوجه.

عمارة المساجد وصيانتها:

قال تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ)( سورة التوبة: الآية 18). 

وعمارة المساجد لا تقتصر على بنائها، بل تشمل الصلاة والذكر والدعاء وحلق العلم، قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ*رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (سورة النور:الآية 36-37).

ومن الأمور الهامة جداً، التأكيد على ضرورة صيانة المساجد وتنظيفها، فنحن أمة ترتبط عبادتها بالنظافة والزينة، ويتعاضد فيها حسن الباطن بحسن الظاهر. قال تعالى: ( يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (سورة الأعراف: الآية:31).

وقال صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان". رواه مسلم.

فجزء من حضارتنا، وعنوان لديننا أن تتميز مساجدنا بالنظافة والنظام، والاهتمام بصيانتها.

قال صلى الله عليه وسلم: "عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي ، حَتَّى الْقَذَاةِ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ". أخرجه أبو داود والترمذي.

وختامًا فإن بناء المسجد كان من أولى أعماله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، فالمسجد هو حياة المجتمع، ومنارة إيمانية واجتماعية وعلمية، وكم من مسجد في بلاد المسلمين وخارجها كان سببا لإسلام الكثيرين، ويقظة الكثيرين، واستقامة أهل الحي وتعارفهم.

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.