موسم الأجر في الأيام العشر

لقد خص الله سبحانه وتعالى بعض الأمكنة والأزمنة بفضائل ومزايا، حيث ضاعف فيها الأجر والثواب، ومن هذه الأزمنة التي خصها الله بفضائل: العشر الأول من ذي الحجة، فقد جعل الشرع الأعمال الصالحة فيها أفضل من الجهاد في سبيل الله، فعلى العبد أن يكثر فيها من الأعمال الصالحة، كالصلاة والزكاة والصوم والصدقة وغيرها؛ حتى ينال الأجر الكبير، والجزاء الوفير من الله العلي الكبير.

لا تخصيص إلا بتنصيص 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، نحمده سبحانه وتعالى على نعمة الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والهداية والاستقامة، ونسأل الله جل وعلا المزيد من فضله، والعظيم الجليل من نعمه، ونصلي ونسلم على خير خلق الله، وخاتم رسل الله، نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحابته ومن اتبع هداه، وعلى من سار واقتفى واهتدى بهداه عليه الصلاة والسلام.

أما بعد:

أيها الإخوة الكرام! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، هذا لقاؤنا المتجدد معكم في يوم الجمعة الموافق التاسع والعشرين من شهر ذي القعدة عام (1418هـ) مع الدرس الثاني والستين بعد المائة الأولى، وعنوان درس هذا اليوم: عشر ذي الحجة مسائل وفضائل.

ونحن نقارب توديع هذا الشهر شهر ذي القعدة، ونستقبل خلال يوم أو يومين شهر ذي الحجة، نقف مع هذه الأيام الفاضلة لنرى بعض فضائلها والأعمال الواردة فيها، وبعض المسائل التي ذكرها أهل العلم بشأنها.

وأول ما نبدأ به مسألة مهمة: لا تخصيص إلا بتنصيص: فجعل خصوصية لزمان بعينه أو لمكان بعينه أو لقول بلفظه أو لعمل بخصوصه، ليس له سبيل ولا مدخل إلا عن الله عز وجل وبتبليغ رسوله صلى الله عليه وسلم، فليس لأحد أن يخص من الأزمنة زماناً ويدعي له فضلاً أو ينسب له مزايا، فإن هذا ليس لأحد من الخلق، قال الحق جل وعلا: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68] فالاختيار والتخصيص حق لله سبحانه وتعالى، به فرق الله عز وجل بين بعض بقاع الأرض وإن استوت في طبيعتها، فكلها واحدة وطبيعتها واحدة، لكن الله جل وعلا فضل بعضها على بعض، وجعل لمكة وللمدينة من الفضيلة والأجر والثواب ما ليس لغيرهما، وفضل من الشهور رمضان، وفضل من الأيام أياماً سيأتي ذكر بعضها كيوم النحر ويوم عرفة وغير ذلك، وفضل في الأزمان أزماناً بعينها، فجعل وقت السحر والثلث الأخير من الليل فاضلاً على غيره من سائر أوقات اليوم: (وجعل في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن فيسأل الله شيئاً من أمر الدنيا والآخرة إلا آتاه الله إياه) كما ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والذي يدل أيضاً على هذا التخصيص أنه لا يكون إلا بتنصيص، أنه قد تكاثرت النصوص بتبليغ النبي صلى الله عليه وسلم لفضائل معينة، فجاءت فضائل كثيرة في فضل يوم الجمعة، ووردت أيضاً خصائص لبعض الأيام كهذه الأيام التي نحن بصدد الحديث عنها، وورد أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم تفضيل أقوال بعينها كما في حديث أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها التي كانت تذكر الله عز وجل، فخرج النبي عليه الصلاة والسلام من عندها ثم رجع وهي ما زالت في مجلس ذكرها فقال: (أما زلت على ما كنت عليه حين فارقتك؟! قالت: نعم، فقال: لقد قلت آنفاً كلمات تعدل ذلك كله: سبحان الله وبحمده: عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته) فجعل النبي عليه الصلاة والسلام لهذه الأقوال فضيلة بعينها.

وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام تخصيص أذكار بعينها، لأدواء بعينها، فذكر للأرق، وذكر عند الهم والغم ونحو ذلك، فكل هذا التخصيص كله جاء بتنصيص يدلنا على هذا. وقد ورد إبطال تخصيص سابق أو تخصيص منفرد جاء النبي عليه الصلاة والسلام فأبطله وغيره، مما يدل على أنه ليس لأحد مدخل في ذلك إلا بتبليغ الشارع الحكيم، فقد جاء النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ولهم عيدان فأبطل ذلك وقال: (لنا أهل الإسلام عيدان) فخص ذلك وأبطل ما سواه.

وكذلك كان لهم في بعض الأيام أعمال، كما ورد أنه عليه الصلاة والسلام قدم المدينة وهم يصومون عاشوراء مع اليهود فقال: (نحن أحق بموسى منهم، فصامه وأمر بصيامه) فهذا كله يدل على أنه لا تخصيص إلا بتنصيص.

وقد وقع الناس في الخلل عندما لم تفهم هذه المسألة، ولم يلتزم بعض المسلمين بها، فصار بعضهم يأتينا بقول من عنده، فقائل بفضيلة معينة في ليلة الإسراء والمعراج، وقائل بفضيلة بصيام في أول رجب أو في أثناء رجب، وقائل بفضيلة لمكان معين أو مزار معين أو قبر معين أو غير ذلك، ولي في ذلك كله آية من كتاب الله ولا سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يتنادون له ويجتمعون عليه، فتعظم بذلك الفتنة، وتنتشر البدعة، وتضعف السنة.

وقد كان السلف رضوان الله عليهم يشددون النكير في هذا، ويحذرون منه أشد التحذير؛ لأنه يتناقض مع إكمال الدين وإتمام النعمة والرضا بالإسلام، والزيادة -أيها الإخوة الأحبة- كالنقص؛ لأن ادعاء الزيادة في دين الله عز وجل اتهام -والعياذ بالله- بنقص الدين، جاء هذا فزاد عليه أو استدرك وكأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ ما آتاه الله إياه، وهذه مسائل خطيرة يتهاون بها بعض الناس، ويظنونها أمراً هيناً، وهذه قصة للإمام مالك رحمه الله لما جاءه السائل وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن ميقات أهل المدينة فأخبره، فقال الرجل وهو منصرف: لأحرمن من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الإمام مالك : إنها والله الفتنة، فعاد الرجل وقال: وأي فتنة يا أبا عبد الله؟! إنما هي أميال أزيدها، أحرم من المدينة فتزداد مسافتي وأنا محرم فأنال الأجر، قال: الفتنة أن تظن أنك تعمل عملاً تفضل فيه رسول الله صلى لله عليه وسلم، ونحن نعلم أنه قد بلغنا كل شيء عليه الصلاة والسلام، ودلنا على الفضيلة في كل عمل وفي كل وقت وفي كل مكان، فالزيادة في مثل هذا طعن في بلاغه عليه الصلاة والسلام وجحد أو إنقاص لنبوته صلى لله عليه وسلم.

فلينتبه لهذا خاصة وأنه قد انتشر في بعض البيئات والبلاد والمجتمعات الإسلامية.

فضائل الأشهر الحرم     

ننتقل إلى فضيلة عامة تتعلق بالأشهر الحرم، وبعد ذلك ننتقل إلى ما سواها من فضائل، الله عز وجل قال: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ [التوبة:36] هذه الحرم الأربعة هي الثلاثة المتتابعة: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب الفرد؛ يسمونه الفرد لأنه منفرد عن هذه الثلاثة في تتابعها، وقد جعلت هذه الأشهر حرماً، وكل الأشهر يحرم فيها ما حرمه الله ويعظم فيها ما عظمه الله، ولكن كانت هذه عند الجاهلية معظمة لا يمسون فيها أعداءهم، ويمسكون فيها عن الاعتداء أو عن الحرب فيها ونحو ذلك، فجعلها الإسلام كذلك أشهراً معظمة محرمة في جملتها، ولا يضاف إلى ذلك شيء لم يكن داخلاً في عموم التشريع من الإسلام، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سأله سائل عما يصومه بعد رمضان فقال: (صم من شهر الله المحرم).

فضائل أيام العشر الأول من ذي الحجة   

وردت روايات كثيرة في عموم تفضيل أيام العشر من ذي الحجة التي نحن بصدد استقبالها، وقد ورد تفضيلها وتعظيمها في قول الله عز وجل وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر:1-3] إلى آخر الآيات.

قال ابن كثير في تفسيره: (والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة) كما قال ابن عباس ، وابن الزبير ، ومجاهد ، وغير واحد من السلف والخلف.

وقد ثبت في الصحيح عن ابن عباس مرفوعاً: (ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام) يعني: عشر ذي الحجة.

وروى البخاري عن ابن عباس تعليقاً: (أن المراد بالعشر عشر ذي الحجة) وقد ذُكرت أقوال أخرى منها: أن المراد بالعشر هي العشر الأول من محرم ذكره ابن جرير كما قال ابن كثير ولم ينسبه لأحد، ومنهم من قال: هي العشر الأول من شهر رمضان، والصحيح هو القول الأول الذي عليه الدلالات، وقد ورد في مسند الإمام أحمد من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العشر عشر الأضحى) قال المحقق: وهذا إسناد رجاله لا بأس بهم عندي، والمتن في رفعه نكارة، لكن عموم ما ورد عن بعض الصحابة يؤيده، والقول الراجح والشائع عند جمهور العلم في شأن هذه العشر أنها عشر ذي الحجة.

وأما وجه التفضيل لها فهو أنها دخلت في القسم الرباني، والله عز وجل له أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، وما يقسم به الله عز وجل فهو عظيم شريف، فقسمه سبحانه وتعالى بما يقسم به إشارة إلى التعظيم والتشريف.

فضل الأعمال الصالحة في هذه العشر    

الفضيلة المشهورة لهذه العشر ما ورد في الحديث الذي خرجه البخاري عن ابن عباس مرفوعاً: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام- يعني: أيام العشر الأول من ذي الحجة - قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) أي: خرج بنفسه وماله فذهب ماله وأزهقت روحه في سبيل الله عز وجل، كما جاء في الحديث الآخر: (من أعظم الناس أجراً رجل خرج بماله وفرسه، فذهب ماله، وعقر فرسه، وأزهقت روحه، كل ذلك في سبيل الله) فهذا استثني من ذلك، ولنا مسائل في هذا الاستثناء.

هذا الحديث هو أجل وأظهر وأعظم حديث في فضيلة العشر، وهو حديث في صحيح البخاري وغيره من كتب السنة المشهورة، ووجه عظمته؛ لما ورد فيه من الإطلاق الذي لم تستثن منه إلا صورة محددة بعينها، نادرة في وقوعها، قليلة في حدوثها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام) والنكرة في سياق النفي تفيد العموم، أي: ما من يوم من الأيام في كل العام أو في سائر العام العمل الصالح يكون فيه أفضل من هذه العشر، فهو تفضيل فيه معنى الإطلاق، وفيه معنى الشمول.

وأما كونه عظيماً فلكونه فضل على الجهاد، وهو عمل كلنا نعلم فضيلته، وقد عده بعض أهل العلم ركناً سادساً من أركان الإسلام؛ لأن به تحفظ الأركان الخمسة ويسعى لنشرها، ويذاد عنها، قال بعض الشراح: إذا كان العمل في أيام العشر أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيره من أيام السنة كلها، صار العمل فيها وإن كان مفضولاً أفضل من العمل في غيرها وإن كان فاضلاً، ومعنى ذلك: أن العمل المفضول الذي رتبته أقل يمكن أن يصبح هو الأفضل عندما يؤدى في هذه الأيام؛ لعموم فضيلتها، وعظمة فضيلتها كما أشرنا، وتأكيد هذا التفضيل بالمقارنة بالجهاد.

وسؤال الصحابة رضوان الله عليهم يدل على عظمة الجهاد وعظمة مثوبته: (فقالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد؟) فالجهاد عندهم من أعظم الأعمال أجراً، فاستعظموا أن تكون فضيلة هذه الأيام أعظم، وقد سئل النبي عليه الصلاة والسلام (أي الجهاد أفضل؟ فقال: من عقر جواده، وأهريق دمه)، فصاحبه أفضل الناس درجة عند الله.

وكذلك سمع النبي عليه الصلاة والسلام رجلاً يدعو ويقول في دعائه: (اللهم أعطني أفضل ما تعطي عبادك الصالحين، فقال عليه الصلاة والسلام: إذن يعقر جوادك وتستشهد) فهذا هو العمل الذي استثني على وجه الخصوص.

وقد ورد في الحديث بعض روايات أخرى في بعضها مع صحتها مزيد من الفوائد، وفي بعضها مع ضعفها تنبيه على ما قد يمر بالإنسان من رواية غير مقبولة عند أهل العلم، من هذه الروايات ما ذكر في مسند الإمام أحمد من ذكر بعض الأعمال التي على الإنسان أن ينشغل به في هذه العشر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم كما في رواية ابن عمر في مسند الإمام أحمد (فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد).

وقد ورد أيضاً زيادة في رواية ابن عباس وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (والعمل فيهن يضاعف بسبعمائة) ولكن هذه الزيادة إسنادها ضعيف.

وقد روي من حديث أبي هريرة عند الترمذي وابن ماجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بسنة، وكل ليلة منها بقيام ليلة القدر) وهذا حديث ضعفه أهل العلم ولم يصححوه.

وقد رويت آثار عن الصحابة في فضل العشر منها عن ابن عمر أنه قال: (ليس يوم أعظم عند الله من يوم الجمعة، ليس العشر -يعني: باستثناء العشر- فإن العمل فيها يعدل عمل سنة) وهذه رواية عن صحابي.

ننتقل إلى فضيلة أخرى في ذكر عموم هذا الفضل مع تخصيصه، عن ابن عمر عند الإمام أحمد مرفوعاً: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر)، وأيضاً في صحيح ابن حبان من رواية جابر : (ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة) وأيضا رويت زيادة في هذه الرواية: (ولا ليالي أفضل من لياليهن، فقال بعضهم: أهي أفضل من عدتهن جهاد في سبيل الله؟ قال: هي أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل الله، إلا من عفر وجهه تعفيراً، وما من يوم أفضل من يوم عرفة) أخرجه أبو موسى المديني وغيره، وفي بعض الروايات في مسند البزار عن جابر (أفضل أيام الدنيا أيام العشر) وهذه الروايات في مجملها تشير إلى عموم الفضيلة دون فضيلة العمل.

لاشك أن فضيلة العمل في أيام العشر دليل على فضيلتها، ولكن هذه النصوص التي أوردناها تدل على إطلاق الفضيلة في زمانها وأعمالها وكل ما يلحق بها، حتى يكون فيها شيء من الخير والبركة بإذن الله سبحانه وتعالى.

وقد روي عن كعب أنه قال: (اختار الله الزمان، وأحب الزمان إلى الله الأشهر الحرم، وأحب الأشهر الحرم إلى الله شهر ذي الحجة، وأحب ذي الحجة إلى الله العشر الأول). وقد روي هذا مرفوعاً ولا يصح رفعه.

أحكام تتعلق بأيام عشر ذي الحجة   

حكم صيام أيام العشر من ذي الحجة 

هناك فضيلة عامة في الأشهر الحرم، وفضيلة لشهر ذي الحجة، وفضيلة للعشر، ولكن العشر هذه فيها يوم عرفة، وفيها يوم النحر، فهناك خصوصيات وفضائل متكاثرة من فضل الله عز وجل علينا، ونذكر هنا مسألة صيام الأيام العشر على اعتبار أن الصيام من أحب الأعمال إلى الله عز وجل وأخصها:

ورد عن عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم أنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً العشر قط) وفي رواية: (في العشر قط)، وهذا الحديث أوجد بعض الإشكال، ولذلك نعتبره مسألة للتنبيه، ذكر أهل العلم: أن صيام العشر فضيلة ثابتة لا شك فيها، وقد ورد إثبات صيامه في مسند الإمام أحمد عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر)، وقد ورد هذا الحديث أيضاً في سنن أبي داود وعند النسائي.

وورد في رواية صريحة عن حفصة رضي الله عنها عند النسائي في السنن أنها قالت: (أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، وركعتين قبل الغداة).

فهذا يدلنا على ثبوت ذلك عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والجمع بين حديث عائشة وبين حديث حفصة بما يلي:

أولاً: عائشة قالت: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صام العشر)، فهل يدل ذلك على أنه لم يصم؟ هي أخبرت أنها لم تره عليه الصلاة والسلام، وأزواجه غيرها كـحفصة قد أثبتت ذلك، هذا وجه من الوجوه، وهو وجه حسن.

ونقل ابن رجب عن الإمام أحمد أنه أجاب بأجوبة مختلفة، فقال مرة: هذا قد روي خلافه من غير عائشة ، وذكر حديث حفصة ، وأشار إلى أنه اختلف في إسناد حديث عائشة ، فمعنى ذلك: أنه رجح حديث غير عائشة على حديثها.

ثانياً: المثبت مقدم على النافي، وهذا التوضيح مهم، قال الإمام النووي رحمه الله معلقاً ومبيناً هذه المسألة: هذا مما يتأول، فليس في صوم هذه التسعة كراهة، بل هي مستحبة استحباباً شديداً لا سيما التاسع منها وهو يوم عرفة، وقد سبقت الأحاديث في فضله، وثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام العمل فيها أفضل منه في هذه الأيام) يعني: العشر الأوائل من ذي الحجة، فيتأول قولها: (لم يصم العشر) أنه لم يصمه على سبيل الالتزام الدائم، أو لم يصمه لعارض عرض له كالمرض أو نحو ذلك، وقد ذكر هذا النووي رحمه الله وأشار إليه ابن رجب في "لطائف المعارف" وغيرهما.

حكم قيام ليالي العشر من ذي الحجة 

مسألة أخرى: وهي مسألة قيام الليالي العشر من ذي الحجة، إذا قلنا صيام الأيام فتأتينا مسألة قيام الليالي في هذه العشر هل هو مستحب أو ورد فيه شيء؟

قال أهل العلم: إنه مستحب؛ لأنه من العمل الصالح ومن أحب الأعمال إلى الله عز وجل؛ لأنه قد ورد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن أفضل الأعمال؟ قال: الصلاة في جوف الليل، أو في دبر الليل الآخر) ونحن نعلم أن صلاة الليل فيها فضيلة وأجر عظيم، وأن وقتها فاضل لاسيما في الثلث الأخير من الليل، هذا على العموم، إضافة إلى أنه قد وردت رواية في هذا وهي وإن كانت ضعيفة؛ فإن بعضهم يتساهل في أحاديث فضائل الأعمال ما دامت تندرج تحت أصل من الأصول، بشرط ألا يكون الضعف فيها شديداً بمرة، ووردت بعض الأقوال عن العلماء كالشافعية في استحباب ذلك، وكان سعيد بن جبير وهو الراوي لحديث ابن عباس إذا دخلت العشر -يعني: الأول من ذي الحجة- اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه، وروي عنه أنه قال: لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر. يعني: صلوا وقوموا فيها لله عز وجل، وكانت تعجبه العبادة فيها.

الذكر في العشر من ذي الحجة 

ما ينبغي أن يشغل الإنسان وقته في هذه الأيام الفاضلة من الأعمال؟

قالوا: أشهر ذلك الذكر، ودل عليه قول الله عز وجل: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ [الحج:28] وقوله سبحانه وتعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203] قالوا في الأيام المعلومات والمعدودات: إما عموم العشر أو خصوص أيام التشريق، وكل ذلك يدخل في عموم أيام العشر وما يتبعها؛ لأنها ذات صلة بها، وقد وردت رواية عن ابن عمر عند الإمام أحمد أنه قال فيها عليه الصلاة والسلام: (فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) فينبغي حينئذ أن يكثر من ذلك، وقد توسع أهل العلم في هذا، وبينوا أن المقصود لغير الحاج على وجه الخصوص التكبير مطلقاً؛ لأن ذكر الله عام، وورد في الحديث تخصيص هذا الذكر بالتهليل والتكبير والتحميد، وورد عن الصحابة رضوان الله عليهم ما يشير إلى مزيد من تخصيص التكبير؛ لأن بعض الصحابة كانوا يخرجون إلى الأسواق فيكبرون فيها، حتى يكبر الناس بتكبيرهم، ومن هنا ذكر أهل العلم اختلافاً وقالوا: هل يشرع إظهار التكبير والجهر به في الأسواق في العشر، فأنكره طائفة، واستحبه الإمام أحمد والشافعي ، وخصه الشافعي برؤية بهيمة الأنعام إذا رآها، أي: بالأضحيات ونحو ذلك، والإمام أحمد يستحبه مطلقاً.

وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عمر وأبي هريرة (أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما)، وأيضاً روي عن مجاهد أنه قال: (كان أبو هريرة وابن عمر يأتيان الأسواق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس معهما، ولا يأتيان لشيء إلا لذلك).

فهذا الذكر عموماً وهذا التكبير خصوصاً من الأمور التي ينبغي الانشغال بها والإكثار منها وإظهارها، والتكبير عموماً لغير الحاج آكد وأظهر، وأما للحاج فإنه مخصص ومقيد، فإنه إنما يأتي به في أعقاب التلبية، وإنما يشرع بعد الانصراف من عرفة ومزدلفة، وبعد رمي جمرة العقبة ينقطع من التلبية، ويبدأ ويشرع في الذكر وفي التكبير، وهو أيضاً للحاج خاص في أعقاب وأدبار الصلوات، أما غير الحجاج فالتكبير والذكر لهم مستحب مطلقاً في كل وقت بلا قيد بصلاة، وبلا قيد أيضاً بأيام بعينها، بل محله العشر كلها، وهذه أيضاً مسألة من المسائل.

مسألة التفضيل بين الحج والجهاد    

مسألة: قد يقال: ينبغي أن يكون الحج أفضل من الجهاد، فإذا قلنا: إن العشر مفضلة على الجهاد إلا في حالة بعينها، فالحج أفضل من الجهاد؛ لأن موعد الحج في هذه العشر إحراماً وتمتعاً، ثم يوم الثامن والتاسع والعاشر، ويلحقها أيام التشريق، ولكن ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً قال: يا رسول الله! أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قال: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله، قال: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور) فكأن هاهنا تعارضاً يحتاج إلى توفيق، وليس في الأمر إشكال، قالوا: التطوع بالجهاد أفضل من التطوع بالحج، والفرض في الحج أفضل من الفرض في الجهاد؛ لأن الحج إذا أديته في هذه العشر فهو فرض عين، أما الجهاد فهو فرض كفاية.

وأما التطوع بالجهاد فيكون في عمومه أفضل من الحج في خصوصه.

وأيضاً قالوا: يمكن الجمع من وجهين:

الأول: أن حديث ابن عباس الذي معنا في فضيلة العشر صرح فيه بأن جهاد من لا يرجع بنفسه وماله بشيء يفضل على العمل في العشر، فيمكن أن يقال: الحج أفضل من الجهاد عموماً إلا في هذا النوع من الجهاد، فيبقى كأن تقديم الجهاد على الحج مخصوص بنوع بعينه، وهو أعلى ذرا الجهاد، حيث يذهب بماله ونفسه ولا يرجع من ذلك بشيء.

الثاني: وهو الأظهر كما أشار إليه ابن رجب يقول: إن العمل المفضول قد يقترن به ما يجعله أفضل من الفاضل في نفسه، فحينئذ الحج يقترن به ما يصير به أفضل من الجهاد، وقد يتجرد عن ذلك فيكون الجهاد أفضل، فإن كان الحج مفروضاً فهو أفضل من التطوع بالجهاد؛ لأن الأعيان مقدمة على الكفايات عند جمهور العلماء، وقد روي هذا في الحج والجهاد بخصوصهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

فضل الأعمال الصالحة التي تقع في العشر على غيرها   

مسألة: هل كل الأعمال الصالحة التي تقع في العشر أفضل من جميع ما يقع في غيرها وإن طالت مدته أم لا؟ بمعنى: عملك في العشر هل هو أفضل من عملك في ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوماً بقية العام أم أن العمل في العشر أفضل من عمل مماثل له في عشر غيرها؟

هذه مسألة مهمة؛ لأن بعض الناس في الواقع المعاصر تأثروا ببعض الأمور غير الجيدة، لا أقول: هو تأثر كنسي، لكن فيه شبه، ومنها: افعل ما شئت ثم ائت في يوم معين واستغفر أو افعل كذا وانتهى الأمر، وكونه ثبت في الحديث الصحيح عن عمل أنه يكفر أو يغفر لا نشك فيه، وفضل الله عز وجل ورحمته أوسع، لكن الركون إلى ذلك أو الإسراف على النفس؛ ليس من شأن المؤمن، وهذا نوع من الكهنوت الذي عند النصارى، افعل ثم ائت واعترف أو خذ صك غفران كما يقولون! لكن ليس هذا في دين الله عز وجل.

المراد أن العمل الصالح في هذه الأيام العشر أفضل من العمل في أيام عشر غيرها؛ حتى لا يلتبس علينا الأمر.

هذه العشر ينبغي أن تكثير فيها من الأعمال الصالحة باستمرار في جميعها لا في بعضها، وما دامت خصت بالفضيلة فإنه يقبح ترك الطاعة فيها، بل ويقبح فيها أعظم فعل المعصية.

المهم عملك في هذه العشر يفضل عملك في غيرها إن كان مماثلاً، أو كان في غيرها زائداً، فإن فضيلتها ترجح عن زيادة العمل في غيرها، لكنها ليست دليلاً على تفضيل ما فيها من العمل على تفضيل ما في كل الأيام بمجموعها، فهذا ينبغي أن يلتفت إليه، قال بعضهم: إنما يفضل العمل فيها على الجهاد إذا كان العمل مستغرقاً للأيام العشر كلها، فيفضل على الجهاد في عدد تلك الأيام من غير العشر، وإن كان العمل مستغرقاً لبعض أيام العشر فهو أفضل من جهاد في نظير ذلك الزمان من غير العشر، والمسألة عند الله عز وجل محسوبة، وينبغي ألا نكون متشعبين في هذا الأمر.

التفضيل بين عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان

مسألة مهمة: وهي أيهما أفضل هذه العشر أم الأواخر من رمضان التي فيها ليلة القدر؟

ذكر العلماء في ذلك أقوالاً، ومن ألطف ما قيل في هذا ما ذكره ابن تيمية رحمه الله واستحسنه واستجاده تلميذه ابن القيم، وهو: أيام العشر من ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأواخر من رمضان، وليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي العشر من عشر ذي الحجة؛ لأن تلك الليالي فيها ليلة القدر، وهي مخصوصة بعظيم من الفضل والأجر، وهذه الأيام في عمومها فيها هذه الفضيلة.

وبعضهم خصه بمسألة الفرائض، أي: أن المراد ما فعل في العشر من ذي الحجة من فرض فهو أفضل مما فعل في العشر الأواخر من رمضان، وهذا أيضاً قول من أقوال أهل العلم.

فضل يوم عرفة

في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أنه لقي رجلاً من اليهود فقال له: يا أمير المؤمنين! آية من كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً -انظر قوله: (لاتخذنا) فقد كان القوم يفعلون ما يشاءون باستحسانهم دون الوقوف عند حدود ما أنزل إليه من ربهم- فقال عمر رضي الله عنه: أي آية؟! فقال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] قال عمر : إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بعرفة يوم جمعة).

انظر إلى التنبيه على هذه الفضيلة من أنها نزلت في يوم عرفة يوم الجمعة والرسول صلى الله عليه وسلم قائم بين الناس، ففيها إشارة إلى هذا.

أيضاً وردت فضائل في شأن يوم عرفة عظيمة، منها: قوله عليه الصلاة والسلام: (الحج عرفة) فهذا فيه تفضيل وتعظيم، أي: أن ركن الحج الأعظم الذي لا يتم الحج إلا به هو وقوف عرفة.

أيضاً وردت فضيلة الصيام في يوم عرفة، فقد ورد من حديث أبي قتادة عن الرسول عليه الصلاة والسلام (أنه سئل عن صيام يوم عرفة؟ فقال: كفارة سنتين: سنة ماضية، وسنة متأخرة) وروي مثله عن سهل بن سعد في مسند عبد بن حميد ، ومثله أيضاً عن أبي سعيد الخدري في سنن ابن ماجة ، وروي عن أبي قتادة أنه قال: (يكفر السنة التي قبله) وهي رواية عن عائشة في المسند.

وفي حديث عند الإمام مسلم طويل عن أبي قتادة يبين مثل هذا، ويشير إلى بعض الدلائل الأخرى، في هذا الحديث: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تصوم؟ فغضب -أي: الرسول عليه الصلاة والسلام- فقال عمر بن الخطاب: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وببيعتنا بيعة، قال: فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل صام الدهر؟ فقال: لا صام ولا أفطر، أو: ما صام وما أفطر، قال: فسئل عن صوم يومين وإفطار يوم؟ فقال: ومن يطيق ذلك! قال: فسئل عن صيام يوم وإفطار يوم؟ فقال: ذاك صوم أخي داود، قال: فسئل عن صوم يوم وإفطار يومين؟ قال: وددت أن الله قوانا لذلك، قال: فسئل عن صيام يوم الإثنين؟ فقال: ذاك يوم بعثت فيه، وولدت فيه، وقال: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، ورمضان إلى رمضان صوم الدهر، قال: وسئل عن صوم يوم عرفة؟ قال: يكفر السنة الماضية والباقية، وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: يكفر السنة الماضية).

فهذا الحديث في فضل صوم يوم عرفة.

وورد في فضيلة يوم عرفة غفران ذنوب العباد من الله سبحانه وتعالى، ومباهاة الله عز وجل بأهل الموقف ملائكته، وهذه كلها من فضائل هذا اليوم الجليل العظيم، وهو يوم عرفة الأغر، الذي هو ركن الحج الأعظم.

 فضل يوم النحر    

يوم النحر، يوم العيد، يوم الحج الأكبر له فضائل، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله أبدلكم يومين خيراً منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى) فهو يوم عيد ويوم تفضيل كما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام، قال أهل العلم: قد أبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي ذكر وشكر ومغفرة وعفو، وهذه خصيصة لهذه الأمة.

وقال بعض أهل العلم: عيدان في العام، وعيد يتكرر في كل أسبوع وهو عيد الجمعة.

وقال بعض أهل العلم في سر الأعياد سواء في الجمعة أو غيرها: إنها تأتي في أعقاب الأركان، فالصلاة إذا أديت كاملة جاء الاحتفال بعيدها في يوم الجمعة بعد أن يكون المسلم قد أتم أسبوعاً وهو مصل قائم بالفرائض الخمس في أوقاتها في سائر الأيام، وعيد الفطر يأتي عقب ركن الصيام، وعيد الأضحى في أثناء ركن الحج، وأما الزكاة فلأنها غير محدودة بزمان، بل تجب بتمام الحول أو باكتمال النصاب أو بشروطها فلم يكن لها عيد بعدها، وأما الشهادتان والتوحيد فهو أصل الإيمان والعبادة والطاعة كلها مترتبة عليه.

فهذه من فضائل هذا اليوم.

وقد ذكر العلماء أن عيد النحر هو أكبر العيدين وأفضلهما، وقد بينوا لفضيلته أو تقديمه على فضيلة يوم الفطر وجوهاً:

أولها: دخوله في عموم العشر التي ذكرنا تفضيلها.

ثانيها: كونه يأتي في عقب يوم عرفة، وما أدراك ما يوم عرفة؟ يوم تكفير الذنوب والخطايا، يوم اجتماع الناس في صعيد واحد، يوم يباهي الله عز وجل بأهل الموقف الملائكة.

ثالثها: لوجود تفضيل وتنصيص على يوم النحر، فقد ورد في بعض أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أفضل الأيام يوم النحر).

رابعها: لكونه يجتمع فيه بعض العبادات المختلفة، مثل النحر والأضحية، فإن من أعظم القربات الذبح لله عز وجل.

خامسها: أن فيه إحساناً إلى الفقراء بهذه الأضحية، فيدخل السرور على فقراء الحرم على وجه الخصوص من الأضاحي، وعلى غيرهم في بلاد الإسلام كلها على وجه العموم.

فهذه وجوه تفضيل عيد الأضحى على عيد الفطر، وإن كان هذا عيداً وهذا عيداً.

وهنا إشارة لطيفة في قولهم: صوم العشر، المقصود بها التسع؛ لأن العاشر يوم عيد يحرم صومه، وإنما يقولون: صوم العشر تغليباً لشأن بيان الفضيلة التي أشرنا إليها في نزول هذه الآية.

تفسير قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم...)  

نشير إلى معنى قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] حتى ندرك فضيلة اليوم التي نزلت فيه، قال بعض أهل العلم في تفسيرها: أكثر المسلمين لم يكونوا قد حجوا حجة الإسلام؛ لأن الحج فرض في العام السادس، وحج أبو بكر ببعض المسلمين في التاسع، وحج النبي عليه الصلاة والسلام ومعه أكثر الصحابة العام العاشر، فبذلك أتموا إسلامهم؛ لأنهم أتوا بالركن الخامس، فقال عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] فأتموا أركان الإسلام.

ومنها: أن الله عز وجل أعاد الحج على قواعد إبراهيم، ونفى الشرك وأهله، وأبطل ما كانوا يجعلونه من انحراف أو تغيير وتبديل في هذا الحج.

وأيضاً: إن تمام النعمة هو حصول المغفرة، وحصول المغفرة قد وقع في يوم عرفة الذي نزلت فيه هذه الآيات، ومعنى تمام النعمة حصول المغفرة، ويدل على ذلك دلائل كثيرة من كتاب الله عز وجل، منها قوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [الفتح:2]، وقوله عز وجل: وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ [المائدة:6] أي: التطهير من الذنوب هو تمام النعمة.

وقوله عز وجل: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] هذا عموم يبين أن الكمال وأن المغفرة هي النعمة التي يجد بها الإنسان أعظم الفضل، فيرضى بدين الله عز وجل الذي فيه هذه المنن والفضائل كلها.

ونشير هنا إلى عظمة التشريع الإسلامي وعموم فضل الله عز وجل، فالحج فرض في العمر مرة واحدة تيسيراً، وإن كان فضله عظيماً، وهذا تيسير؛ لأن الإتيان به مكرراً فيه مشقة، فكيف ينال المرء فضيلة ما فيه من الفضل؟ جعل الله عز وجل هذا معمماً للناس عندما فضل هذه العشر كلها، فمن حج أصاب فضيلة الحج، ومن لم يحج فعنده فضيلة العشر؛ لما فيها من تكفير للذنوب، ولما فيها من أعمال صالحة، ومن رجحان فضيلة وأجر الأعمال الصالحة فيها، كما قال القائل: جعل الله عز وجل موسم العشر مشتركاً بين السائرين للحج والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام قد يوفق في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج، وهذه نعمة من الله عز وجل.

ليالي العشر أوقات الإجابة فبادر رغبة تلحق ثوابه

ألا لا وقت للعمال فيه ثواب الخير أقرب للإصابة

من اوقات الليالي العشر حقاً فشمر واطلبن فيها الإنابة

النصوص الدالة على فضل يوم عرفة     

روى ابن حبان في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (أفضل الأيام يوم عرفة).

وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال عليه الصلاة والسلام: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟..) إلى آخر الحديث.

وفي المسند عن عبد الله بن عمرو أنه قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً ضاحين؛ يرجون رحمتي ويخافون عذابي، أشهدكم أني قد غفرت لهم).

وخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يباهي بأهل عرفات يقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً).

وعن جابر عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: (انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً ضاحين، جاءوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم ير أكثر عتيقاً من النار في يوم عرفة) إلى روايات أخرى كثيرة، وهذا داخل في ضمن فضائل العشر، فللحاج هذه المزية، ولغير الحاج مزية وفضيلة الصوم التي أشرنا إليها.

حكم صيام يوم عرفة للحاج    

صوم يوم عرفة لغير الحاج مؤكد تأكيداً عظيماً، ولم يرد في فضل صيام يوم منفرد مثلما ورد في صيام يوم عرفة، فضلاً عن كونه مندرجاً في العشر نفسها، وأما الصيام للحاج فقد ورد حديث أم الفضل بنت الحارث : (أن ناساً تماروا عندها يوم عرفة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم -وانظر إلى ذكاء نساء المؤمنين- فأرسلت إليه أم الفضل بقدح لبن وهو واقف على بعيره في يوم عرفة، فشرب منه عليه الصلاة والسلام)، فهذا كما يقولون: "قطعت جهيزة قول كل خطيب فلم يصمه النبي عليه الصلاة والسلام عندما حج، وقد وردت رواية ضعيفة عن أبي هريرة : (أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن صوم يوم عرفة)، وقد اختلف أهل العلم في حكم صيام يوم عرفة في عرفة:

روي عن عائشة أنها كانت تصومه وهي حاجة، وروي عن عثمان بن أبي العاص وابن الزبير أنهما كانا يصومانه، والصحيح الذي ذكره كثير من أهل العلم كـالشافعي ومالك : أنه لا يستحب للحاج صيامه؛ وذلك ليتقوى الحاج على الطاعة والعبادة، ولكن من صامه فإنه لا شيء عليه، والنهي على فرض ثبوته إنما هو نهي كراهة لا نهي تحريم، أي: أن النهي إنما هو من أجل التقوي على الطاعة والعبادة، فإن استطاع أن يقوى على الطاعة والعبادة مع الصيام فلا شيء عليه في هذا.

حكم صيام أيام التشريق   

ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) أخرجه أصحاب السنن، وورد أيضاً: (أنه بعث في أيام منى منادياً ينادي: لا تصوموا هذه الأيام؛ فإنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل)، وإن كانت هذه الرواية فيها ضعف كما ذكر بعض أهل العلم.

الأحكام المتعلقة بالأضحية

وقفتنا الأخيرة عن الأضحية؛ لأنها داخلة في العشر، ونبدأ بفضيلتها:

ورد في فضل الأضحية حديث قال الترمذي عنه: ضعيف لضعف بعض رواته، والحديث عن عائشة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما عمل ابن آدم من عمل يوم النحر أحب إلى الله عز وجل من هراقة الدم -يعني: الذبح- وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع في الأرض، فطيبوا بها نفساً) قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب لا يعرف من حديث هشام إلا من هذا الوجه، فيه راو اسمه: أبو المثنى، ضعفه أبو حاتم جداً.

ما يستحب وما يكره في الأضحية؟  

ما يستحب في الأضحية وما يكره فيها؟

ورد من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين، يطأ على صفاحهما -والصفح هو جانب العنق- ويذبحهما بيده ويقول: باسم الله، والله أكبر) والحديث متفق عليه، وفيه: استحباب وتأكيد اختيار الأفضل والأحسن، وما ليس فيه عيب كما سيأتي؛ لأنه قال: (كبشين أملحين)، والأملح هو الذي فيه سواد وبياض، ويكون البياض أكثر، ويدل هذا على نوع من الجمال أو البهاء فيه.

وفيه: استحباب أن يذبح المرء الأضحية بنفسه إن قدر على ذلك، بل قد قال أهل العلم: وكذا يستحب للمرأة أن تذبح أضحيتها إن قدرت عليها، فقد روي عن أبي موسى : (أنه كان يأمر بناته أن يذبحن ضحاياهن بأيديهن)، وهذا مما يستفاد من هذا الحديث.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن الرسول عليه الصلاة والسلام (أنه ضحى بكبش أقرن فحيل، يأكل في سواد، ويشرب في سواد، وينظر في سواد، ويمشي في سواد) والحديث حسن أخرجه الترمذي ، والفحيل هو: الكريم المختار من الفحلة، أي: الجيد، وقيل أيضاً: الفحيل: المنجب في ضرابه، وأراد به النبل وعظم الخلق، أي: يختار من الجيد.

قوله: (يأكل في سواد) أي: أحاط بفمه لون أسود.

وكذلك بالنسبة لقوله: (ينظر في سواد، ويمشي في سواد) إلى آخره، أي: تلك المواضع سوداء، وسائر بدنه أبيض، وهو مطابق لقوله: الأملح.

 

وقد وردت أحاديث صحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام في اختيار الأضحية، فروى الإمام أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة من حديث علي قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن، وألا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء)، المقابلة: ما قطع طرف أذنها.

والمدابرة: ما قطع من جانب الأذن، والشرقاء: المشقوقة الأذن، والخرقاء: المثقوبة.

ولعل سائلاً يقول: وما دخل الأذن بالأضحية، إنما يؤكل لحمها؟!

نقول: هو عيب يبخس من قيمتها، فكأن المرء لا يضحي لله إلا بما هو هين عنده أو هين عند الناس، وهذا لا ينبغي أن يكون، بل يستحب أن تكون الأضحية من الأواسط والكرائم إن استطاع. وقوله: (نستشرف العين والأذن) أي: ننظر إلى صحتها وعظمها، وهذا مثل هذا.

سنن الأضحية 

عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئاً) أخرجه الإمام مسلم وغيره، والمقصود بذلك أنه يتشبه بالمحرم، فلا يقص من أظفاره، ولا يقص شعره، ولا شيئاً من أنواع الشعور على اختلافها، وهذا فيه نوع من الاشتراك مع الحاج في بعض العمل، والاشتراك أيضاً في بعض الأجر الذي ساقه الله عز وجل لأمة الإسلام عموماً، واختلف العلماء في ظاهر هذا الحديث فبعضهم قالوا: لا يجوز لمن يريد الأضحية بعد دخول العشر أن يأخذ من شعره أو ظفره إلى أن يذبح، وإليه ذهب سعيد بن المسيب وقال به ربيعة والإمام أحمد وإسحاق ، وكان مالك والشافعي يريان ذلك على الندب والاستحباب، ورخص أصحاب الرأي في هذا.

وأيضاً قالوا: هذا الحديث دليل على أن الأضحية غير واجبة، من أين وجه الاستدلال؟

من قوله: (فإذا أراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره)، فقوله: (إذا أراد) معنى ذلك أنه إذا لم يرد فالأمر بالخيار، وليس الأمر واجباً وإنما هو سنة مؤكدة، والنبي عليه الصلاة والسلام نحر عن نفسه، ونحر عن أهل بيته، ونحر عن أمته، وقد نحر عليه الصلاة والسلام في حجة ثلاثة وستين من الإبل قائمة ثم وكل علياً فأتم المائة، وهذا كله دليل على التفضيل، ودليل على أن الذبح لله عز وجل من أفضل القربات, وأنه من أكثر ما يتعاطاه الناس في بيان المحبة وبيان الخضوع وبيان التقرب والتذلل لله عز وجل.

وبعض أهل العلم رأى أنها واجبة، وذهب إلى ذلك بعض أهل الرأي، واستدلوا بحديث مخنف بن سليم (أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم عرفة فقال: على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة) والعتيرة هي التي تسمونها: رجبية، والحديث أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ، ولكن في سنده بعض الضعف، ويعارضه تلك الأحاديث الصحيحة، فالقول الصحيح قول الجمهور، وهو أنها ليست واجبة، وقد ذكر الأكثرون أن العتيرة التي في رجب منسوخة؛ لأنها كانت تذبح في رجب تعظيماً له فيما مضى ثم نسخت بعد ذلك، وقد ورد في حديث مرفوع عن أبي هريرة : (لا فرع ولا عتيرة) والفرع هو أول نتاج الأنعام كانوا يذبحونه لطواغيتهم في الجاهلية، والعتيرة في رجب، فهذا نهي عنها، وحديث أبي هريرة هذا متفق عليه عند البخاري ومسلم.

حكم الاشتراك في الأضحية    

يجوز الاشتراك في الأضحية، قال جابر رضي الله عنه فيما رواه مسلم : (نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة) أي: اشترك سبعة فيها، وفي حديث جابر : (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة) ووردت رواية عن ابن عباس : (اشتركنا في الجزور عن عشرة والبقرة عن سبعة) والمشهور هو الأول.

وأما الاشتراك في الأضحية الواحدة فقد ورد أن الإنسان إذا ضحى ولو بشاة واحدة عنه وعن أهله جاز؛ لأنه على الاستحباب، وإذا كان على الاستحباب وليس على الوجوب على كل أحد فكأنها عنه، وأراد أن يشرك في أجرها أهله؛ فلا بأس، فهي في الأصل تجزئ عن واحد لكن لو قال: عني وعن أهل بيتي فحسن؛ لأنه روي عن النبي عليه الصلاة والسلام: (أنه ضحى بكبش وقال: هذا عني وعمن لم يضح من أمتي) أخرجه أبو داود والترمذي وهذا الحديث حسن، وأيضاً صح عن عائشة : (أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، وينظر في سواد، فلما جاء ليذبحه قال: باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد) أخرجه الإمام مسلم، وقد سأل عطاء أبا أيوب الأنصاري عن الضحايا فقال: (كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون، حتى تباهى الناس وصار كما ترى!)، أي: بعد عهد النبي عليه الصلاة والسلام.

حكم أكل لحوم الأضحية وادخاره    

يباح أكل لحوم الأضاحي حتى بعد زمن، وقد ورد أن أيام التشريق سميت بذلك؛ لأنهم كانوا يشرقون اللحم ويقددونه حتى يجف، فيأكلونه خلال أيام التشريق، وكان هناك نهي عن الأكل بعد الثلاث، ولكن ورد عن جابر أن النبي عليه الصلاة والسلام: (نهى عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث ثم قال بعد: كلوا وتزودوا وادخروا) فالمسألة فيها سعة، وقد نسخ هذا المنع ولا إشكال في هذا.

الأسئلة   

وجه التفضيل بين عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان

السؤال: عندما ساق ابن القيم المقارنة بين فضل العشر من ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان، فضل ليالي العشر الأواخر من رمضان، وفضل الأيام العشر من ذي الحجة، فهل نستفيد من ذلك أن قوله: وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:2] يقصد بها العشر الأواخر من رمضان؟

الجواب: القول في هذا أنها عشر ذي الحجة كما ورد عن ابن عباس وعن ابن الزبير ، وقد ثبت ذلك معلقاً مجزوماً عند البخاري عنهما، وهو قول مجاهد وكثير من أئمة السلف والخلف من المفسرين.

وأما ورود مسألة التفضيل فهي مسائل ترد على الخاطر ثم يأتي فيها جواب أهل العلم، وعموم الفضل ثابت، لكن التحديد يكون بنص أو بنقل، خاصة في مسائل التفسير، وكأن الأخ يقول: إذا قلنا: تلك الليالي أفضل من هذه الليالي فلماذا لا تكون (وليال عشر) هي العشر الأواخر؟

فكما قلنا: هي عشر ذي الحجة كما نص عليه السلف، وعشر ذي الحجة منصوص في فضيلتها الأيام والليالي مع بعضها، وليس الليالي وحدها.

الأعمال المترتبة على فضل الزمان والمكان    

السؤال: ماذا يترتب على فضل الزمن كليلة النصف من شعبان؟ هل معنى ذلك مضاعفة العمل، مع العلم بأنه لا بد لذلك من فائدة؟

الجواب: حقاً لا بد له من فائدة، فإذا عرفت فضيلة الزمان أو فضيلة المكان فينبغي أن تجتهد بأن تملأ الزمان أو أن تشتغل في هذا المكان بالطاعة وتكثر منها، فتكون لك فضيلة العمل نفسه، ومضاعفة الأجر لفضيلة الزمان أو المكان، مثل: أن تكون في الحرم، فأنت تعرف فضيلة الصلاة في الحرم، فعليك أن تصلي الفرائض، وأن تستكثر من النوافل، وتزيد من الأعمال والبر؛ فإن ذلك فيه خير، وكذلك تجتهد في الطاعة في الزمان الفاضل.

وبالنسبة لليلة النصف من شعبان حديثها فيه اختلاف بين أهل العلم، بعضهم ضعفه وبعضهم حسنه، وقد مال إلى تحسينه بعض المحدثين من المتقدمين والمتأخرين، لكن ما خص بعمل بعينه يواظب عليه، وبعض الناس لا بد أن يأتي في ليلة النصف من شعبان بعمرة، لا بأس إن أتى بها من باب العمل الصالح، لكن كونه يعتقد أنها سنة ويواظب على ذلك كما يفعله بعض الناس من التأكيد على هذا كالسنن فهذا لا ينبغي؛ لأنه كما قال الشاطبي وغيره: لا ينبغي المواظبة على عمل بعينه من الأعمال المطلقة، وينبغي أن يتركه في بعض الأيام أو الأحوال؛ لئلا يشبه بالسنة الماضية.

الأعمال المطلقة مثل: صلاة النافلة، يمكن أن تصلي في أي وقت ركعتين أربعاً عشراً، ثم قد تواظب أنت على شيء بقدر طاقتك، تواظب مثلاً على ست ركعات كل ليلة بعد العشاء، لا حرج في هذا، لكن لا ينبغي أن تواظب عليها طول دهرك وعمرك، وخاصة عندما تكون محل نظر الناس، أو كنت من أهل العلم، فقد يقول الناس: ما يواظب على الست الركعات إلا لأنه ورد فيها حديث بعينه أو نص بعينه، قالوا: فالمواظبة على ما لم يثبت على الدوام فيه بعض المؤاخذة، وقد يكون فيه شيء من الابتداع، وإن كان أصل العبادة المطلقة ليس لأحد أن يمنع أحداً منها.

حكم تقديم الحج على الجهاد والعكس 

السؤال: أيهما يقدم الحج أو الجهاد؟

الجواب: إن كان الجهاد فرض عين، والعدو قريب، وهناك إنسان لم يحج الفريضة وهو في الجبهة، وليس عنده إلا خياران لا ثالث لهما: إما أن يجاهد، وإما أن يحج، وإن قلنا: يجاهد ثم يحج فقد يستشهد في المعركة، فنقول: الله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها، إن كان لم يقصر في أداء الفريضة في وقتها فلا إشكال، ولكن لا شك أنه إذا تعين الجهاد وهو في بلد، والحج بعيد، فإنه لا يترك بلده ويذهب ليحج؛ لأن الجهاد فرض الوقت، وفرض الوقت في آنه يقدم على غيره، والله أعلم.

قاعدة المثبت مقدم على النافي وبعض أمثلة لها 

السؤال: قاعدة: المثبت مقدم على النافي هل لها أمثلة أخرى غير حديث عائشة؟

الجواب: هي قاعدة تطبق على غيرها، ومن أمثلتها ما جاء في حديث لإحدى أمهات المؤمنين قالت: (ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط) يعني: ما صلى سنة الضحى قط، وأبو هريرة يقول: (أوصاني خليلي بثلاث، وذكر منها الضحى)، وحديث عتبان بن مالك (أنه جاءه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته ضحى فصلى وصلى هو معه).

فهي ما رأته، وغيرها رآه، فليس كل أحد رأى كل شيء ولا علم كل شيء، أما إذا قال: سمعته يقول كذا، فحينئذ تحتاج المسألة إلى تحرٍ، أما إذا قال لك: ما رأيت، والثاني يقول: رأيت، فهنا لا إشكال أن نقدم المثبت على النافي.

حكم صيام العشر الأواخر من ذي الحجة لمن لم يصم العشر الأول منه    

السؤال: ما حكم من صام العشر الأواخر من ذي الحجة إذا ما صام العشر الأوائل من ذي الحجة؟

الجواب: لا وجه للتخصيص، إن كان هو يكثر من الصوم عموماً فليصم العشر أو العشرين ما في بأس، بشرط ألا يصوم الدهر، والأفضل له ألا يصوم إلا ما يستطيعه حتى لا يبدأ في طاعة ثم ينقضها، وأفضل الصيام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صيام داود ، صيام يوم وإفطار يوم).

وجه عبارة الترمذي: حديث غريب مع تضعيفه للحديث ووجه الاقتران بالحسن السؤال: بالنسبة لعبارة الترمذي: حديث غريب، ما وجه اقترانه بصفة الحسن؟

الجواب: هناك اختلاف في نسخ سنن الترمذي بين قوله: حسن، أو حسن غريب، أو حسن صحيح، وقد يكون فيها بعض اختلاف في النسخ، وأما الغرابة فالمقصود بها التفرد، وليس المقصود بها الإشارة للضعف، والنص على الضعف، فيكون مقصوده أحياناً أن الحسن قد يأتي من وجه، ويترجح بطريق آخر، ولكن في هذا الحديث بعينه ما بحثته حتى أنظر هل قوله: حسن مع قوله بعد ذلك: وأبو المثنى سليمان بن يزيد فيه ضعف، فهل هناك نسخة أخرى ليس فيها قوله: حسن؟ فهنا ذكر أنه غريب مع التضعيف، والله أعلم.

طلب بإفراد الأعياد بدرس خاص    

السؤال: نقترح إفراد درس خاص عن الأعياد؟

الجواب: لعلنا إن شاء الله نتكلم عن أحكامها وآدابها وما يستفاد منها.

حكم رفع أصحاب السيارات للأجرة عند نقل الحجاج بين المشاعر   

السؤال: أصحاب السيارات الخاصة ينقلون الحجاج بين المشاعر بمبالغ مرتفعة جداً عن الأيام العادية؛ فهل في ذلك شيء؟

الجواب: إذا كان مبنياً على التراضي فلا شيء فيه، وزيادته لها وجه؛ لأنه في الغالب يستغرق في الذهاب من الوقت أضعاف ما يذهب في أيام غيرها؛ وذلك بسبب شدة الزحام، فارتفاع له مقابل؛ لأنه قد يذهب من مكان إلى مكان بسرعة في الأيام العادية، ويأخذ أجرة خمسة ريالات مثلاً، لكن في أيام الحج يأخذ خمسة عشر أو عشرين؛ لأنه في غير الحج يستطيع أن يذهب أكثر من أربع أو خمس مرات، ويحصل على أكثر من هذا الأجر، لكن لا شك أن الرفق بالحجاج أمر مطلوب، وأن الإجحاف أو الظلم أو المبالغة الزائدة عن الحد لا تليق بالمسلم على إخوانه المسلمين، ولا تليق بمن يقيم بهذه الأرض مع من يفد إليها لطاعة الله عز وجل وحج بيته، فلابد من تقدير ظرف الحاج والإحسان إليه، وإذا ترك شيئاً أو خفف أو قلل في السعر ابتغاء وجه الله فإنه يؤجر إن شاء الله تعالى.

حقيقة الأضحية والفدية والهدي

السؤال: الأضحية والفدية والهدي ما حقيقة كل واحدة منها؟

الجواب: الأضحية: هي سنة عامة للحاج وغير الحاج، تضحية لله عز وجل وابتغاء الأجر.

والفدية: هي التي تكون مترتبة عن ترك واجب في مناسك الحج والعمرة في غالب الأحوال.

والهدي: هو الذي يسوقه الحاج معه ويهديه إلى الحرم، وهو نوع من الأضحية، لكنه أحياناً قد يكون من ضمن النسك كما في شأن القارن بين الحج والعمرة.

حكم أخذ الظفر والشعر في العشر من أهل المضحي 

السؤال: إذا أراد أن يضحي الرجل عن نفسه وعن أهله فهل يأمر أهله بألا يأخذوا من أشعارهم وأظفارهم؟

الجواب: الصحيح أن المقصود بهذا هو الذي يضحي بنفسه، أما من يضحى عنه فليس بشرط، وهذا حتى للحاج إذا أراد الأضحية، فينبغي له أن يحلق شعره وأن يقلم أظافره قبل دخول العشر، حتى لا يحتاج إلى ذلك عندما يريد أن يحرم؛ لأن من سنن الإحرام أن يحلق عانته، وأن يزيل شعر الإبط، وأن يقلم الأظافر، ويغتسل، ويتطيب، فلو أراد أن يضحي فيحسن به أن يفعل ذلك قبل شهر ذي الحجة حتى ينال الأمرين معاً إن شاء الله تعالى.

فدية الحج ووقت وجوبها 

السؤال: ما هي فدية الحج؟

الجواب: إذا ترك واجباً من الواجبات فعليه فدية، ويشبهه أو قريب منه المتمتع الذي عليه ذبح الدم عن تمتعه.

حكم وطء الرجل امرأته أثناء الحج  

السؤال: ما حكم وطء الرجل لامرأته في أيام الحج؟

الجواب: إن كان قبل التحلل الأول فإنه يبطل الحج كلية، ويجب عليه إتمامه، وعليه الفدية، وعليه الحج من قابل، ومسألة القضاء مهمة سواء في الحج أو العمرة، فمن تلبس بالنسك وشرع فيه -ولو كان تطوعاً- ثم خرج منه بغير عذر أو لعذر له فيه مأخذ شرعي فالقضاء لا بد منه.

صيام العشر   

السؤال: هل الأفضل صيام العشر كلها أم يوم عرفة فقط؟ وهل العتق من النار في يوم عرفة لكل الناس؟

الجواب: صوموا كلها إن كنتم غير حجاج، والعتق من النار في يوم عرفة خاص بالحجاج فيما ورد من النصوص وليس عاماً لكل أحد.

 

  حكم حج الحائض والنفساء   

السؤال: بالنسبة للمرأة إذا حاضت أو نفست في أيام الحج أو قبل الحج ما عليها؟

الجواب: يجوز لها أن تهل بالحج وأن تحرم به، وأن تنوي من ميقاتها ولو لم تكن على طهر، وتؤدي كل مناسك الحج إلا أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر، فإذا طهرت طافت، ولها أن تؤخر طواف الإفاضة حتى تطوف للإفاضة وللوداع طوافاً واحداً في وقت واحد، لكن بشرط أن تنوى أنه طواف إفاضة؛ لأنه ركن.

حكم من حج عن ميت أجنبي دون أن يعلم أهله 

السؤال: سائل يريد أن يحج عن أخ له في الله قد مات، فهل يجب عليه أن يخبر أهله علماً بأنه قد حج عن نفسه؟

الجواب: ليس بواجب عليك أن تخبر أهلك؛ لأن هذا نوع من الإحسان إلى أخيك أو صديقك الذي بينك وبينه معزة، وقد توفاه الله عز وجل، فتحج عنه وتنوي الثواب له فلا شيء في هذا إن شاء الله.

حكم الرجم في ثاني أيام التشريق قبل الزوال والخروج من منى بعد الزوال السؤال: هل الرجم في اليوم الثاني من أيام التشريق قبل الزوال والنفرة من منى بعد الزوال جائز؟

الجواب: قد يفتي به بعض أهل العلم للترخيص، لكن لا بد أن تنظر فيمن أفتى به، هل هو من أهل العلم المعتبرين؛ لأن بعض الناس يسمع كلام أي واحد ويأخذ به، فإذا أخذت بقول رجل ليس من أهل العلم المعروفين من كبار العلماء، أو من مجامع الفتوى، فقد تأخذ بقول مرجوح أو تبطل حجك أو تأتي بنقص فيه، والمسألة كلها ساعة أو سويعة، وأنت قد أتيت للحج من أفق بعيد أو أتيت له حتى من قريب، لكنك قد تعبت وجهدت في أداء المناسك، فتمم ذلك، وليس في مثل هذا داع للترخص أو التعجل.

حكم من وقف في يوم عرفة بعرفة وهو غير حاج   

السؤال: من كان في عرفة واقفاً وليس بحاج، فهل هو ممن يباهي الله به الملائكة؟

الجواب: ظاهر الحديث يخص الحجاج؛ لأنهم أتوه شعثاً غبراً ضاحين؛ ولأنهم تجردوا من ملابسهم، ولكن في الحديث: (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) والله عز وجل فضله عميم، وهذه الأمور لا ينبغي أن يكون فيها السؤال؛ لأن الله عز وجل يفيض بالخير على من أقبل عليه، سواء في عرفة أو في غير عرفة، والإنسان في عرفة يشاهد الناس الحجاج وهم يلبون ويبتهلون ويبكون فيكون متأثراً بهم، وقد يذهب ويحرم ولم يكن قد نوى الحج؛ لما يرى من هذا، فلعله إن شاء الله يؤجر بخدمته للحجاج، وبدعائه لله عز وجل في هذا المكان الفضيل وفي هذا الزمان الفضيل، ويكون مع القوم الذين باهى الله بهم ملائكته، وفضلهم، ووعدهم بالمغفرة والعتق، فهذه كلها مسائل كثيرة في مثل هذا.

حكم من حج عن غيره مبتغياً الأجر والثواب    

السؤال: بالنسبة لمن حج عن رجل هل له أجر أو ليس له أجر؟

الجواب: فضل الله عز وجل عظيم، أنت إن حججت عن أبيك ألست تفعل فعلاً خيراً ابتداءً؟! وكل فعل خير له أجره عند الله عز وجل، ثم ألست تذكر الله وتتلو وتدعو؟!

وبعض الناس يظن المسألة فيها انفصال، فإذا حج عن غيره فهو يدعو وليس في قلبه خشية ولا تعلق ولا رجاء في الله عز وجل! كلا، المقصود بالحج أنه عمل تصح فيه النيابة، فيستطيع الإنسان أن يؤديه ثم ينويه بجملته كاملاً عمن نواه عنه، وليس فيه أنه لا بد أن يقول: أنا أرمي هذه عن فلان، وفي غير وقت الطواف مثلاً ليس بحاج وكأنه شيء آخر، فتراه لا ينشغل كما ينشغل في حجه بالتلاوة أو الذكر، وكأنه في وظيفة، وإذا ذهب ليرمي رمى ثم يرجع!! ليس كذلك، فالأجر إن شاء الله حاصل من كل وجه بإذنه سبحانه وتعالى.

حكم من حج على نفقة غيره    

السؤال: من أراد أن يحج وليس عنده نفقة فأعطاه بعض الناس إما هبة وإما مودة وإما صدقة مالاً ليحج به، هل يجوز أو لا يجوز حجه حج الفريضة؟

الجواب: الله عز وجل بين لنا: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (الاستطاعة الزاد والراحلة) فمن أين أتى الزاد؟ من أين أتت الراحلة؟ إذا لم يكن من حرام فلا إشكال، بل حتى لو كان من حرام يصح الحج وعليه الإثم كما ذكر أهل العلم.

الإسلام يدعو المسلمين أن يعينوا إخوانهم في كل شيء، فإذا أعانك أخ لك على أن تحج معه وهو مقتدر، أو أن تحج على حسابه وهو ميسور فلا إشكال في ذلك، ولا توجد أدنى شبهة في جوازه وكماله، سواءً كان حج فريضة أو حج تطوع.

حكم إرسال الحاج بثمن أضحيته إلى بلده  

السؤال: الأضحية هل يرسل الحاج بثمنها إلى أهله في بلده حتى يضحوا لحاجتهم وحاجة من في بلدهم؟

الجواب: ليس هناك بأس، ولا يشترط أن يضحي الحاج في بلد الحج، لكن الحاج الذي عليه فدية فيذبحها لأهل الحرم، أما غير ذلك فجائز، والأمر في هذا واسع، وإن كان فيه بر بأهله وبقرابته فلعله يكون له بذلك أجر إن شاء الله عز وجل.

حكم ذبح الأضحية بعد أيام التشريق 

السؤال: هل يجوز أن أذبح الأضحية بعد عودتي من الحج هنا في جدة بعد أيام التشريق؟

الجواب: الظاهر أن الفضيلة في يوم النحر، وأتبع بها أيام التشريق؛ لأنها محل الطاعة والعبادة، ولا زالت حاجة الحجاج إليها، وأما بعد ذلك فالصحيح أنها جائزة، لكنها في غير الوقت الفاضل، والله أعلم.

نكتفي بهذا، ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، وأن يتقبل منا صالح الأعمال، وأن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.