الهدى والسنة في العيد وأحكامه

* معنى العيد:

العيد مشتق من العود فكل عيد يعود بالسرور وإنما جمع على أعياد بالياء للفرق بينه وبين أعواد الخشب وقيل غير ذلك. وقيل أصله عود بكسر العين وسكون الواو فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها مثل ميعاد وميقات وميزان. وقال ابن الأنباري: يسمى عيداً للعود في الفرح والمرح. وقيل سمي عيداً لشرفه من العيد وهو محل كريم مشهور في العرب تنسب إليه الإبل العيدية.أ.هـ..[ نيل الأوطار]

* التجمل ولبس الجديد من الثياب في العيد:

* في الأثر وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رضي اللَّه تعالى عنهما: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يلبس برد حبرة في كل عيد).

رواه الشافعي.[ قال الشوكانى في النيل: وإبراهيم بن محمد المذكور لا يحتج بما تفرد به ولكنه قد تابعه سعيد بن الصلت عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن ابن عباس به كذا أخرجه الطبراني. قال الحافظ: فظهر أن إبراهيم لم يتفرد به وأن رواية إبراهيم مرسلة.].. و( الحبرة ) كعنبة برد يماني ذو ألوان من التحبير وهو التزيين والتحسين[ المناوى في فيض القدير].

* استحباب الأكل والشرب قبل الخروج للعيد:

.ففي الحديث عن أنس رضي اللَّه عنه قال: (كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً).[ رواه أحمد والبخاري].

.وعن بريدة رضي اللَّه عنه قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع).

رواه ابن ماجه والترمذي وأحمد وزاد: (فيأكل من أضحيته).

.ولمالك في الموطأ عن سعيد بن المسيب: (أن الناس كانوا يأمرون بالأكل قبل الغدو يوم الفطر).

قال المهلب: الحكمة في الأكل قبل الصلاة أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد فكأنه أراد سد هذه الذريعة وقال غيره: لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر اللَّه سبحانه أشار إلى ذلك ابن أبي حمزة. وقال ابن قدامة: لا نعلم في استحباب تعجيل الأكل يوم الفطر اختلافاً كذا في الفتح. قال الحافظ: والحكمة في استحباب التمر فيه لما في الحلو من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم ولأن الحلو مما يوافق الإيمان ويعبر به المنام ويرق القلب وهو أسر من غيره ومن ثم استحب بعض التابعين أن يفطر على الحلو مطلقاً كالعسل رواه ابن أبي شيبة عن معاوية بن قرة وابن سيرين وغيرهما.

*والحكمة في تأخير الفطر يوم الأضحى أنه يوم تشرع فيه الأضحية والأكل منها فشرع له أن يكون فطره على شيء منها قاله ابن قدامة. قال الزين ابن المنير: وقع أكله صلى اللَّه عليه وآله وسلم في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما بإخراج صدقة الفطر قبل الغدو إلى المصلى وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها.أ.هـ [نيل الأوطار]

* إستحباب خروج جموع المسلمين للعيد حتى النساء:

.ففي الحديث عن أم عطية رضي اللَّه عنها قالت: (أمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة) وفي لفظ: (المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قلت: يا رسول اللَّه إحدانا لا يكون لها جلباب قال: لتلبسها أختها من جلبابها). [رواه الجماعة. وليس للنسائي فيه أمر الجلباب]. ولمسلم وأبي داود في رواية: (والحيض يكن خلف الناس يكبرن مع الناس) وللبخاري: (قالت أم عطية كنا نؤمر أن نخرج الحيض فيكبرن بتكبيرهن).

.وعن ابن عباس عند ابن ماجه: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يخرج بناته ونساءه في العيدين) [وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهو مختلف فيه. وقد رواه الطبراني من وجه آخر]. (وذوات الخدور) جمع خدر بكسر الخاء المعجمة وهو ناحية في البيت يجعل عليها ستر فتكون فيه الجارية البكر وهي المخدرة أي خدرت في الخدر.

قال الشوكانى: والحديث وما في معناه من الأحاديث قاضية بمشروعية خروج النساء في العيدين إلى المصلى من غير فرق بين البكر والثيب والشابة والعجوز والحائض وغيرها ما لم تكن معتدة أو كان في خروجها فتنة أو كان لها عذر.

.وعن جابر رضي اللَّه عنه قال: (شهدت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئاً على بلال فأمر بتقوى اللَّه وحث على الطاعة ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن). رواه مسلم والنسائي. وفي لفظ لمسلم: (فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن).قال الشوكانى: وفيه أيضاً تمييز مجلس النساء إذا حضرن مجامع الرجال لأن الاختلاط ربما كان سبباً للفتنة الناشئة عن النظر أو غيره.أ.هـ

* إستحباب إتيان مصلى العيد ماشيا:

ففي الحديث عن ابن عمر عند ابن ماجه قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخرج إلى العيد ماشياً ويرجع ماشياً)[في صحيح الجامع برقم:4932]

وعند ابن ماجة من حديث عن أبي رافع‌:" كان يخرج إلى العيدين ماشيا و يصلي بغير أذان و لا إقامة ثم يرجع ماشيا في طريق آخر “ [في صحيح الجامع برقم:4933]

قال الشوكانى: فيه مشروعية الخروج إلى صلاة العيد والمشي إليها وترك الركوب وقد روى الترمذي ذلك عن أكثر أهل العلم. وقد استدل العراقي لاستحباب المشي في صلاة العيد بعموم حديث أبي هريرة المتفق عليه: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون) فهذا عام في كل صلاة تشرع فيها الجماعة كالصلوات الخمس والجمعة والعيدين والكسوف والاستسقاء.أ.هـ [نيل الأوطار].

* إستحباب مخالفة الطريق في الذهاب والعودة:

.ففي الحديث عن جابر رضي اللَّه عنه قال: (كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق).[ رواه البخاري]..

.وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: (كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا خرج إلى العيد يرجع في غير الطريق الذي خرج فيه).[ رواه أحمد ومسلم والترمذي].

.وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أخذ يوم العيد في طريق ثم رجع في طريق آخر).[ رواه أبو داود وابن ماجه].

وهذه الحاديث تدل على استحباب الذهاب إلى صلاة العيد في طريق والرجوع في طريق أخرى للإمام والمأموم وبه قال أكثر أهل العلم كما في الفتح...والحكمة من مخالفة الطريق قال المناوى في فيض القدير: ليسلم على أهل الطريقين أو ليتبركا به أو ليقضى حاجتهما أو ليظهر الشعائر فيهما أو ليغيظ منافقيهما قال ابن القيم : والأصح أنه لذلك كله ولغيره.أ.هـ

* إستحباب التكبير يوم العيد وفي الطريق والمصلى حتى يخرج الإمام:

.ففي الحديث وعن ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما: (أنه كان إذا غدا إلى المصلى كبر فرفع صوته بالتكبير) وفي رواية: (كان يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس فيكبر حتى يأتي المصلى ثم يكبر بالمصلى حتى إذا جلس الإمام ترك التكبير).[ رواهما الشافعي...وفي صحيح الجامع برقم:4934]..

قال المناوى في فيض القدير: كان يخرج في العيدين: إلى المصلى الذي على باب المدينة الشرقي بينه وبين باب المسجد ألف ذراع قال ابن شيبة قال ابن القيم : وهو الذي يوضع فيه محمل الحاج ولم يصل العيد بمسجده إلا مرة واحدة لمطر بل كان يفعلها في المصلى دائماً ومذهب الحنفية : أن صلاتها بالصحراء أفضل من المسجد وقال المالكية والحنابلة : إلا بمكة وقال الشافعية : إلا في المساجد الثلاثة فأفضل لشرفها.أ.هـ

* صيغ التكبير:

قال الشوكانى في نيل الأوطار:

وأما صفة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال: كبروا اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر كبيراً. ونقل عن سعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه الفريابي في كتاب العيدين من طريق يزيد بن أبي الزناد عنهم وهو قول الشافعي وزاد وللَّه الحمد. وقيل يكبر ثلاثاً ويزيد لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له الخ. وقيل يكبر ثنتين بعدهما لا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر اللَّه أكبر وللَّه الحمد جاء ذلك عن عمر وابن مسعود وبه قال أحمد وإسحاق وقد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها انتهى كلام الفتح.أ.هـ

* وقت صلاة العيد:

.عن عبد اللَّه بن بسر صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (أنه خرج مع الناس يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام وقال: إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين التسبيح).[ رواه أبو داود وابن ماجه].

.وعن جندب عند أحمد بن حسن البناء في كتاب الأضاحي قال: (كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي بنا يوم الفطر والشمس على قيد رمحين والأضحى على قيد رمح) [أورده الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه].{ حين التسبيح: ذلك حين وقت صلاة التسبيح ( صلاة الضحى) يعني ذلك الحين حين وقت صلاة العيد}.. وحديث عمرو بن حزم يدل على مشروعية تعجيل الأضحى وتأخير الفطر ولعل الحكمة في ذلك ما تقدم من استحباب الإمساك في صلاة الأضحى حتى يفرغ من الصلاة فإنه ربما كان ترك التعجيل لصلاة الأضحى مما يتأذى به منتظر الصلاة لذلك وأيضاً فإنه يعود إلى الاشتغال بالذبح لأضحيته بخلاف عيد الفطر فإنه لا إمساك ولا ذبيحة.

وأحسن ما ورد من الأحاديث في تعيين وقت صلاة العيدين حديث جندب المتقدم. قال في البحر: وهي من بعد انبساط الشمس إلى الزوال ولا أعرف فيه خلافاً انتهى.[ نيل الأوطار].

* السنة الصلاة قبل الخطبة وخلاف ذلك بدعة:

.ففي الحديث عن جابر عند البخاري ومسلم وأبي داود قال: (خرج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم الفطر فصلى قبل الخطبة).

وعن أنس عند البخاري ومسلم: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى يوم النحر ثم خطب).و عن أبي سعيد عند البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه قال: (خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم أضحى أو فطر إلى المصلى فصلى ثم انصرف فقام فوعظ الناس)

*وهذه الأحاديث تدل على أن المشروع في صلاة العيد تقديم الصلاة على الخطبة قال القاضي عياض: هذا هو المتفق عليه بين علماء الأمصار وأئمة الفتوى ولا خلاف بين أئمتهم فيه وهو فعل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدين من بعده إلا ما روي أن عمر في شطر خلافته الآخر قدم الخطبة لأنه رأى من الناس من تفوته الصلاة وليس بصحيح ثم قال: وقد فعله ابن الزبير في آخر أيامه.

وقال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافاً بين المسلمين إلا عن بني أمية قال: وعن ابن عباس وابن الزبير أنهما فعلاه ولم يصح عنهما قال: ولا يعتد بخلاف بني أمية لأنه مسبوق بالإجماع الذي كان قبلهم ومخالف لسنة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم الصحيحة, وقد أنكر عليهم فعلهم وعد بدعة ومخالفاً للسنة.

قال العراقي: الصواب أن أول من فعله مروان بالمدينة في خلافة معاوية كما ثبت ذلك في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: ولم يصح فعله عن أحد من الصحابة لا عمر ولا عثمان ولا معاوية ولا ابن الزبير انتهى. وقد اختلف في صحة صلاة العيدين مع تقدم الخطبة ففي مختصر المزني عن الشافعي ما يدل على عدم الاعتداد بها. وكذا قال النووي في شرح المهذب إن ظاهر نص الشافعي أنه لا يعتد بها قال وهو الصواب. [نيل الأوطار].

* السنة أن يصلى العيد بغير آذان ولا إقامة:

.ففي الحديث عن جابر بن سمرة رضي اللَّه عنه قال: (صليت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم العيد غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة).[ رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي].

.وعن ابن عباس وجابر رضي اللَّه عنهم قالا: (لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى). متفق عليه. ولمسلم عن عطاء قال أخبرني جابر (أن لا أذان لصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعد ما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شيء لا نداء يومئذٍ ولا إقامة).

*والأحاديث تدل على عدم مشروعية الأذان والإقامة في صلاة العيدين. قال العراقي: وعليه عمل العلماء كافة. وقال ابن قدامة في المغني: ولا نعلم في هذا خلافاً ممن يعتد بخلافه...قوله: (لا إقامة ولا نداء ولا شيء) فيه أنه لا يقال أمام صلاة العيد شيء من الكلام.أ.هـ (كقولهم الصلاة جامعة أو صلاة العيد أثابكم الله فهذا لم يثبت وإن أجازه الشافعى رحمه الله).

* السنة لمن أتى المصلى ألا يصلى ويجلس يكبر حتى يخرج الإمام:

.عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: (خرج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما).[ رواه الجماعة].

.وعن ابن عمر رضي اللَّه عنه: (أنه خرج يوم عيد فلم يصل قبلها ولا بعدها وذكر أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فعله).

رواه أحمد والترمذي وصححه. وللبخاري عن ابن عباس أنه كره الصلاة قبل العيد...وفي هذه الأحاديث دليل على كراهة الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها.. قال الزهري: لم أسمع أحداً من علمائنا يذكر أن أحداً من سلف هذه الأمة كان يصلي قبل تلك الصلاة ولا بعدها.أ.هـ

.وفي الحديث :" أن النبى صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين"[ابن ماجه من حديث ابى سعيد..وفي صحيح الجامع برقم:4859].

* حكم صلاة العيد:

اختلفوا في ذلك هل هو فرض أم سنة أكدة وإن كان فرض هل هو عين أم على الكفاية فاستدل بأمره صلى اللَّه عليه وآله وسلم للركب في حديث ابى عمير السابق أن يخرجوا إلى المصلى لصلاة العيد أبو حنيفة على أن صلاة العيد من فرائض الأعيان وخالفه في ذلك الشافعي وجمهور أصحابه قال النووي: وجماهير العلماء فقالوا إنها سنة وقال أبو سعيد الاصطخري من الشافعية: إنها فرض كفاية وهو قول أحمد بن حنبل وأحد قولي الشافعي.

واستدل القائلون بأنها سنة بحديث: (هل عليَّ غيرها قال: لا إلا أن تطوع)

(واستدل القائلون) أنها فرض كفاية بأنها شعار كالغسل والدفن وبالقياس على صلاة الجنازة بجامع التكبيرات والظاهر ما قاله الأولون لأنه قد انضم إلا ملازمته صلى اللَّه عليه وآله وسلم لصلاة العيد على جهة الاستمرار وعدم إخلاله بها [ص 383] الأمر بالخروج إليها بل ثبت كما تقدم أمره صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالخروج للعواتق والحيض وذوات الخدور وبالغ في ذلك حتى أمر من لها جلباب أن تُلبس من لا جلباب لها ولم يأمر بذلك في الجمعة ولا في غيرها من الفرائض بل ثبت الأمر بصلاة العيد في القرآن كما صرح بذلك أئمة التفسير في تفسير قول اللَّه تعالى {فصل لربك وانحر} فقالوا: المراد صلاة العيد ونحر الأضحية. ومن مقويات القول بأنها فرض إسقاطها لصلاة الجمعة كما تقدم والنوافل لا تسقط الفرائض في الغالب.....

وقد اتفق الموجبون لصلاة العيد وغيرهم على عدم وجوب خطبته ولا أعرف قائلاً يقول بوجوبها.[نيل الأوطار]

* عدد التكبيرات في صلاة العيد:

.في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الآخرة ولم يصل قبلها ولا بعدها). [رواه أحمد وابن ماجه.. قال العراقي: إسناده صالح. ونقل الترمذي في العلل المفردة عن البخاري أنه قال: إنه حديث صحيح.]. وقال أحمد: أنا أذهب إلى هذا. وفي رواية: قال: (قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة والقراءة بعدهما كلتيهما) [رواه أبو داود والدارقطني]. وعن جابر عند البيهقي قال: (مضت السنة أن يكبر للصلاة في العيدين سبعاً وخمساً)...{والحقيقة أن هذه المسألة تعددت فيها الروايات والأقوال حتى بلغت عشرة أقوال لكن هذا القول أعدلها وبالله التوفيق}...

.وقد وقع الخلاف هل المشروع الموالاة بين تكبيرات صلاة العيد أو الفصل بينها بشيء من التحميد والتسبيح ونحو ذلك فذهب مالك وأبو حنيفة والأوزاعي إلى أنه يوالي بينها كالتسبيح في الركوع والسجود قالوا: لأنه لو كان بينها ذكر مشروع لنقل كما نقل التكبير...

وقال الشافعي: إنه يقف بين كل تكبيرتين يهلل ويمجد ويكبر واختلف أصحابه فيما يقوله بين التكبيرتين فقال الأكثرون: يقول سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر وقال بعضهم: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وقيل غير ذلك.أ.هـ { والصحيح من ذلك هو ان التكبير في الأولى سبع تكبيرات غير تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمس تكبيرات غير تكبيرة الإنتقال ويتابع بينها وليس بين التكبيرات ذكر منقوا والله تعالى أعلم}.

* السنة في خطبة العيد:

عرفنا ان السنة الخطبة بعد الصلاة لاقبلها وهذه هو فعل النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين والسنة أن يقف الإمام قبالة الناس بغير منبر وأن إخراج المنبر لخطبة العيد من البدع المحدثات.

.ففي الحديث عن أبي سعيد رضي اللَّه عنه قال: (كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى وأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم وإن كان يريد أن يقطع بعثاً أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف).[ متفق عليه]. ولابن خزيمة في رواية مختصرة: (خطب يوم عيد على رجليه).

وهذا الحديث يدل على أنه لم يكن في المصلى في زمانه صلى اللَّه عليه وآله وسلم منبر ويدل على ذلك ما عند البخاري وغيره في هذا الحديث أن أبا سعيد قال: فلم تزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر فلما أتينا المصلى إذ منبر بناه كثير بن الصلت... فعن طارق بن شهاب رضي اللَّه عنه قال: (أخرج مروان المنبر في يوم عيد فبدأ بالخطبة قبل الصلاة فقام رجل فقال: يا مروان خالفت السنة أخرجت المنبر في يوم عيد ولم يكن يخرج فيه وبدأت بالخطبة قبل الصلاة فقال أبو سعيد: أما هذا فقد أدى ما عليه سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول: من رأى منكراً فإن استطاع أن يغيره فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).[ رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه].و يؤيد ذلك ما عند البخاري في حديث أبي سعيد بلفظ: (فإذا مروان يريد أن يرتقيه يعني المنبر قبل أن يصلي فجذبت بثوبه فجذبني فارتفع فخطب فقلت له: غيرتم واللَّه فقال: يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم فقلت: ما أعلم واللَّه خير مما لا أعلم) وفي مسلم: (فإذا مروان ينازعني يده كأنه يجرني نحو المنبر وأنا أجره نحو الصلاة فلما رأيت ذلك منه قلت: أين الابتداء بالصلاة فقال: لا يا أبا سعيد قد ترك ما تعلم فقلت: كلا والذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم ثلاث مرات ثم انصرف).‏..ومن السنة أن يُذكر الإمام النساء ويذهب إليهن للموعظة بعد وعظ الرجال ففي الحديث: (فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن)[وقد تقدم].قال الشوكانى: فيه استحباب وعظ النساء وتذكيرهن وحثهن على الصدقة إذا لم يترتب على ذلك مفسدة وخوف فتنة على الواعظ أو الموعوظ أو غيرهما.أ.هـ

والسنة أن تبدأ الخطبة بالحمد كسائر الخطب وإن قال باستحباب التكبير على الصفة المذكورة في الخطبة كثير من أهل العلم.

فقد قال ابن القيم: وأما قول كثير من الفقهاء إنه تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وخطبة العيدين بالتكبير فليس معهم فيها سنة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم البتة والسنة تقتضي خلافه وهو افتتاح جميع الخطب بالحمد.[نيل الأوطار]

* إذا اجتمع العيد والجمعة:

.في الأثر عن عَطَاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ قال: "صَلّى بِنَا ابنُ الزّبَيْرِ في يَوْمِ عِيدٍ في يَوْمِ جُمُعَةٍ أوّلَ النّهَارِ ثُمّ رُحْنَا إلَى الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا فَصَلّيْنَا وُحْدَاناً. وَكَانَ ابنُ عَبّاسٍ بالطّائِفِ، فَلَمّا قَدِمَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فقال: أصَابَ السّنّةَ". [ رجاله رجال الصحيح]. وعدم الإنكار عليه من أحد من الصحابة يقوى المسألة. ورواه البخاري من قول ابن عثمان. ورواه الحاكم من قول ابن الخطاب كذا قال الحافظ.

.وعن أبي هُرَيْرةَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنّهُ قال: "قَدْ اجْتَمَعَ في يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ وَإنّا مُجَمّعُونَ".

[ رواه أبو داود وابن ماجه. وأخرجه أيضاً الحاكم وفي إسناده بقية بن الوليد وقد صحح أحمد بن حنبل والدارقطني إرساله].

.ولأبي داود أيضاً عن عطاء قال: (اجتمع يوم الجمعة ويوم الفطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعاً فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر).[ رجاله رجال الصحيح].

قوله: (ثم رخص في الجمعة) الخ فيه أن صلاة الجمعة في يوم العيد يجوز تركها وظاهر الحديثين عدم الفرق بين من صلى العيد ومن لم يصل وبين الإمام وغيره لأن قوله لمن شاء يدل على أن الرخصة تعم كل أحد.أ.هـ..[نيل الأوطار]

قال في عون المعبود: والحديث دليل على أن صلاة الجمعة بعد صلاة العيد تصير رخصة ولا يجوز فعلها ولا تركها وهو خاص بمن صلى العيد دون من لم يصلها…… وذهب الشافعي وجماعة إلى أنها لا تصير رخصة مستدلين بأن دليل وجوبها عام لجميع الأيام، وما ذكر من الأحاديث والآثار لا يقوي على تخصيصها لما في أسانيدها من المقال…. وذهب عطاء إلى أنه يسقط فرضها عن الجميع لظاهر قوله "من شاء أن يصلي فليصل" ولفعل ابن الزبير فإنه صلى بهم في يوم عيد صلاة العيد يوم الجمعة، قال ثم جئنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحداناً…. قال في رحمة الأمة: إذا اتفق يوم عيد يوم جمعة فالأصح عند الشافعي أن الجمعة لا تسقط عن أهل البلد بصلاة العيد، وأما من حضر من أهل القرى فالراجح عنده سقوطها عنهم فإذا صلوا العيد جاز لهم أن ينصرفوا ويتركوا الجمعة. وقال أبو حنيفة بوجوب الجمعة على أهل البلد. وقال أحمد لا تجب الجمعة على أهل البلد بل يسقط فرض الجمعة بصلاة العيد ويصلون الظهر…. قوله:(وإنا مجمعون): قال الخطابي: في إسناد حديث أبي هريرة مقال ويشبه أن يكون معناه لو صح أن يكون المراد بقوله فمن شاء أجزأه من الجمعة أي عن حضور الجمعة ولا يسقط عنه الظهر، وأما صنيع ابن الزبير فإنه لا يجوز عندي أن يحمل إلا على مذهب من يرى تقديم الصلاة قبل الزوال… وحكى إسحاق بن منصور عن أحمد بن حنبل أنه قيل له الجمعة قبل الزوال أو بعد الزوال قال إن صليت قبل الزوال فلا أعيبه وكذلك قال ابن إسحاق. فعلى هذا يشبه أن يكون ابن الزبير صلى الركعتين على أنهما جمعة وجعل العيدين في معنى التبع لها والله أعلم.،أ.هـ

قال الصنعانى في السبل: قلت ولا يخفي أن عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة وليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله، فالجزم بأن مذهب ابن الزبير سقوط صلاة الظهر في يوم الجمعة يكون عيداً على من صلى صلاة العيد لهذه الرواية غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله، بل في قوله عطاء إنهم صلوا وحدانا أي الظهر ما يشعر بأنه لا قائل بسقوطه، ولا يقال إن مراده صلاة الجمعة وحدانا فإنها لا تصح إلا جماعة إجماعاً. ثم القول بأن الأصل في يوم الجمعة صلاة الجمعة والظهر بدل عنها قول مرجوح، بل الظهر هو الفرض الأصلي المفروض ليلة الاسراء والجمعة متأخرة فرضها. ثم إذا فاتت وجب الظهر إجماعاً فهي البدل عنه. وقد حققناه في رسالة مستقلة انتهى كلام محمد بن إسماعيل الأمير.

(قلت: ولكن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: (وإنا مجمعون) يبين أن الأولى صلاة الجمعة والله اعلم...ثم هل يصلى من ترك الجمعة ظهراً أم لا على خلاف ولعل الصحيح هو أن يصلى الظهر لما في الأثر المتقدم عن عطاء " فَصَلّيْنَا وُحْدَاناً". ولذلك كان الأسلم صلاة الجمعة).

* إذا تعذر أن يُصلى العيد في يومه يُخرج في اليوم التالى:

في الحديث عن أبى عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار رضي اللَّه عنهم قالوا: (غم علينا هلال شوال فأصبحنا صياماً فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر الناس أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد).

[رواه الخمسة إلا الترمذي...وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه وصححه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم والخطابي وابن حجر في بلوغ المرام].

(والحديث) دليل لمن قال إن صلاة العيد تصلى في اليوم الثاني إن لم يتبين العيد إلا بعد خروج وقت صلاته.... وأمر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لهم بالخروج لصلاة العيد من الغد كما في رواية أبي داود يدل على عدم الفرق بين عذر اللبس وغيره من الأعذار , وظاهر الحديث أن الصلاة في اليوم الثاني أداء لا قضاء , والحديث وارد في عيد الفطر فمن قال بالقياس ألحق به عيد الأضحى.

* الذكر والتكبير في العيدين وأيام التشريق:

أما بالنسبة للتكبير في الفطر فقد تقدم بيانه في الكلام على إستحباب التكبير يوم العيد...أما الأضحى وأيام التشريق فقد اختلفوا على أقوال كثيرة في بداية التكبير ونهايته ومواطنه..

قال في الفتح: وفيه اختلاف بين العلماء في مواضع فمنهم من خص التكبير على أعقاب الصلوات. ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل. ومنهم من خصه بالرجال دون النساء وبالجماعة دون المنفرد وبالمؤداة دون المقضية وبالمقيم دون المسافر وساكن المصر دون القرية. قال: وللعلماء أيضاً اختلاف في ابتدائه وانتهائه فقيل من صبح يوم عرفة وقيل من ظهره وقيل من عصره وقيل من صبح يوم النحر وقيل من ظهره في الانتهاء إلى ظهر يوم النحر. وقيل إلى عصره وقيل إلى ظهر ثانيه. وقيل إلى صبح آخر أيام التشريق. وقيل إلى ظهره. وقيل إلى عصره. قال: حكى هذه الأقوال كلها النووي إلا الثاني من الانتهاء. وقد رواه البيهقي عن أصحاب ابن مسعود ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حديث. وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى أخرجهما ابن المنذر وغيره.أ.هـ

وقال ابن عبد البر في الاستذكار: صح عن عمر وعلي وابن مسعود أنهم كانوا يكبرون ثلاثاً ثلاثاً اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر.

وقال الثوري وأحمد بن حنبل وأبي يوسف ومحمد وأحد أقوال الشافعي أن محله عقيب كل صلاة من فجر عرفة إلى آخر أيام التشريق.أ.هـ

وقد جاء في فضل الذكر والتكبير في أيام التشريق أحاديث منها: عن نبيشة الهذلي رضي اللَّه عنه قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر اللَّه عز وجل).[ رواه أحمد ومسلم والنسائي].

قال البخاري: وقال ابن عباس {واذكروا اللَّه في أيام معلومات} أيام العشر والأيام المعدودات أيام التشريق قال: وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما. قال: وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتَجّ مِنَى تكبيراً.

* لماذا سميت بأيام التشريق:

حكى أبو عبيد أن فيه قولين:

أحدهما: لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي يقددونها ويبرزونها للشمس.

ثانيهما: لأنها كلها أيام تشريق لصلاة يوم النحر فصارت تبعاً ليوم النحر قال: وهذا أعجب القولين إلى أن قال الحافظ: وأظنه أراد ما حكاه غيره أن أيام التشريق سميت بذلك لأن صلاة العيد إنما تصلى بعد أن تشرق الشمس.... عن ابن الأعرابي قال: سميت بذلك لأن الهدايا والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس.أ.هـ [نيل الأوطار] .

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.