دور المرأة في عمارة المساجد

إن المساجد أحب البقاع إلى الله تعالى، فمنها يشع النورن ومنها يسطع الحق والهدى والخير، فهي المؤسسة التربوية التي تعد الفرد المسلم إعدادًا متكاملًا، يجعله صالحًا في نفسه، مصلحًا لغيره، فعالًا في مجتمعه وفق استعداداته وقدراته؛ لذلك جعل لها الشرع الحنيف كرامة وقدسية، ورغب في الاهتمام بها وصيانتها، ونظافتها، ورتب على ذلك ثوابًا عظيمًا، وأجرًا كبيرًا.

وهذه محاولة للتذكير بمكانة المسجد، وبدور المرأة المسلمة في عمارته ونظافته، والعناية به ابتغاء مرضاة الله تعالى.

 

(1)

مكانة المسجد في الإسلام

شرف الله –عز وجل- المساجد ونسبها إليه، فقال عز من قائل: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا} [الجن: 18]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بنى مسجدًا لله كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتًا في الجنة». [رواه ابن ماجه].

فهي بيوت المتقين، جعلها مشرقًا للهداية والنور، منها يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح، وفي رحابها تلقى المواعظ والدروس التي تذكر المسلمين بأمور دينهم ودنياهم. يجتمعون فيها ويلتقون على الطاعة والعبادة، والمودة والرحمة. من دخلها كان ضيفًا على الله –عز وجل- وفي كرمه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ في بيته فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد، فهو زائر الله، وحق على المزور أن يكرم الزائر». [رواه الطبراني].

 

(2)

حكم عمارة النساء للمساجد

كانت المرأة حاضرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضره وسفره، وسوقه ومسجده، تأخذ وتعطي، فهي شقيقة الرجل في الأحكام، يشملها قوله تعالى: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} [التوبة: 18]. قال القرطبي: "وقد ثبت الإيمان في الآية لمن عمر المساجد بالصلاة فيها، وتنظيفها، وإصلاح ما وهى منها". [الجامع لأحكام القرآن (2/390)].

وقال سبحانه وتعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} [النور: 36، 37]، يقول الطاهر ابن عاشور: "وتخصيص التسبيح بالرجال على هذا لأنهم الغالب على المساجد، كما في الحديث: «... ورجل قلبه معلق بالمسجد،...»". [التحرير والتنوير (9/497)].

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظ النساء في المسجد ويعلمهن؛ بل غنه خصهن بيوم من أيام الأسبوع، ونهى الرجال عن منعهن من الخروج إلى المساجد، فقال عليه الصلاة والسلام: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله». [رواه مسلم].

وعن عائشة –رضي الله تعالى عنها- قالت: «كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس». [رواه البخاري].

ففي هذه النصوص تصريح بإباحة خروج النساء إلى المساجد؛ لكن بشروط ذكرها العلماء، وهي كما يلي:

 

(3)

شروط خروج المرأة للمسجد

أ- أن لا تكون متطيبة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تطيب تلك الليلة». [رواه مسلم]. معناه: إذا أرادت شهودها، أما من شهدتها ثم عادت إلى بيتها فلا تمنع من التطيب بعد ذلك، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة». [رواه مسلم].

ب- أن تتحلى بالسكينة والوقار في مشيتها وكلامها، وتتجنب كل مظاهر الزينة التي قد تكون سببًا في لفت النظر إليها؛ لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31]، ولا بأس أن تظهر وجهها وكفيها عند جمهور أهل العلم.

جـ- أن لا تزاحم الرجال أثناء الدخول إلى المسجد أو الخروج منه.

د- أن لا يكون في الطريق ما يخاف منه مفسدة عليها.

هـ- أن تلتزم بآداب المسجد، وتراعي له حرمته وقدسيته.

و- أن تحافظ على نظافة المسجد، وجماليته؛ وذلك بمراعاة الأمور التالية:

1- عدم اصطحاب الأطفال غير المميزين؛ لكي لا يكونوا مصدر تلويث للمسجد وإزعاج للمصلين.

2- مراقبة الأطفال إذا دعت الضرورة إلى اصطحابهم للمسجد حرصًا على نظافته.

3- تجنب الأكل في المسجد ورمي القمامة فيه.

 

(4)

دور المرأة في نظافة المسجد

سبقت الإشارة إلى أن الإسلام جعل للمساجد مكانة عظيمة، واهتم بنظافتها وصيانتها، فعن عائشة –رضي الله تعالى عنها- قالت: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور –يعني: الأحياء-، وأن تنظف وتطيب". [رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي]، وعن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد». [رواه أبو داود، والترمذي].

وقد نالت المرأة المسلمة هذا الشرف العظيم، واعتنت بالمساجد منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففي الصحيحين أن امرأة سوداء –تدعى أم محجن- كانت تقم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم –أي: تكنسه وتنظفه-، فلما توفيت بالليل دفنها الصحابة –رضوان الله عليهم- دون أن يخبروا النبي عليه الصلاة والسلام، فلما علم بوفاتها قال: «دلوني على قبرها»، فصلى عليها.

وروى النسائي، وابن ماجه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد، فغضب، فجاءت امرأة من الأنصار فحكتها.

فعلى كل مسلمة أن تسير على النهج نفسه، وتقتفي آثار الصالحات، فتحرص على عمارة بيوت الله، وتتفقد أحوال المساجد من حولها، وتساهم في نظافتها لتنال بذلك الأجر العظيم والثواب الجزيل، وعليها أن تذكر زوجها وأبناءها بفضل عمارتها، وأن نظافتها سلوك حضاري، ومطلب شرعي.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.