التربية الدينية والشباب

سادتي: نقلب النظر في الأيام الخالية، فنقف على وقائع تحدث عنها التاريخ بإعجاب، ذلك أنها كانت مظهر قوة الفكر، ومتانة العزم.

ومن هذه الوقائع ما رفع أمة من خمول إلى نباهة، أو نقلها من استعباد إلى سيادة، فإذا تجاوزنا الوقائع إلى الأيدي التي هزتها وأطلقتها من عقالها وجدناها أيدي الشباب الذين يشعرون فيعزمون، ويبصرون الخطر فلا يحجمون.

فذلك أبو مسلم الخراساني نهض بالدعوة العباسية، وزلزل عرش الدولة الأموية، وهو ابن إحدى وعشرين سنة، وتولَّى محمد بن القاسم الثقفي قيادة جيش قاتل قبائل ثائرة، فأطفأ ثورتها وهو ابن سبع عشرة سنة، وقال فيه الشاعر:

لمحمد بن القاسم بن محمد

 

إن السماحة والمروءة والندى

يا قرب ذلك سؤدداً من مولد

 

قاد الجيوش لسبع عشرة حجة

وقد نبَّه رسول الله " على أن الولايات منوطة بالكفاية، وأن الكفاية للعظائم قد تتحقق في الشباب، فولَّى أسامة بن زيد جيشاً تخفق رايته على أمثال أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، ولم يتجاوز أسامة يومئذٍ الثامنة عشرة من عمره.

ففي الشباب نفوس قريبة من الخير، وهمم لا ترضى من المجد إلا باللباب؛ فإذا توجه الشباب إلى غايات خطيرة، وساروا في طرق قويمة فما للأمة إلاَّ أن ترفع رأسَها عِزّة، وما لخصومها إلاَّ أن يتقوا بأسها، ويجنحوا لسلمها.

ومن أين لنا أن يتوجه شبابنا إلى السيادة لا يبغي بها بدلاً ؟ وإذا توجهوا إليها فمن أين لنا أن يسيروا إليها في أقوم الطرق وآمنها؟

وذلك ما يجب علينا أن نفكر فيه بجد، ونبذل في سبيله كل جهد.

نعم؛ ذهبنا بالفكر في كل مذهب، ورجعنا إلى التاريخ والتجارب، فلم ندع بعيداً إلاَّ دَنَوْنَا منه، ولا شافياً إلاَّ كشفنا غطاءه، فلم نر لشبابنا سيرة تجعلهم خير شباب أُخْرِجَ للناس إلاَّ أن نراهم يستنيرون بهدى الله، ويتنافسون في التجمل بآداب شريعته الغراء:

بِأوامرٍ مِنْ رَبِّه ونَوَاهي

 

أَدَبُ الفتى في أَنْ يُرى مُتمسكاً

إن الدين ليهدي للتي هي أقوم؛ يطبع النفوس على الأخلاق السمحة الكريمة، ويضع أمامها موازين تستبين به الرشد من الغي، ويريها كيف تحيا الحياة الزاهرة المطمئنة.

فإذا تلقن شبابنا حقائق الدين نَقِيَّةً من كل بدعة، وابتهجت نفوسهم بحكمته ابتهاج البلد الطيب بالغيث النافع _ فقد أعددنا للخوض في غمار الحياة رجالاً لا يكتفون بالخطب تلقى على المنابر، ولا بالمقالات تحرر على المكاتب، بل يعلمون فيقولون، ويقولون فيفعلون.

مَذْقُ اللسان يَقولُ ما لا يفعل

 

وأراكَ تفعلُ ما تَقولُ، وبعضهم

إِنَّ الإيمان ليملأ القلوب إجلالاً للواحد الخلاّق، ومَنْ أجلَّ مقام خالقه صغر في عينه كل جَبَّار مخلوق، ومن الأمراض التي تأكل من كرامة الأمم أكلاً ذريعاً، وترمي بالمهانة في أوطانها أنْ تُرْهِبَ سطوة المخلوق رهبة تمنعها من أن تقول في صدق، أو تعمل في حكمة.

فحقيق بشبابنا أنْ يكون الإيمان الصادق رائدهم؛ فإنَّا لا نرى من ضعيف الإيمان عملاً إلاَّ أنْ يكون مخلوطاً برياء؛ ولا نرى له من سيرة إلاَّ أنْ تنحرف إلى الشمال مرة، وتتأخر إلى الخلف مرة أخرى.

وقعَ الطيشُ في صدورِ الصعادِ

 

وإذا كان في الأنابيبِ حيفٌ

وإذا قيل: إن الذمم تباع وتشترى فإن ذمم المؤمنين الصادقين لا يملك ثمنها إلا رب العالمين.

كنَّا رأينا من بعض شبابنا انحرافاً عن الرشد، فخشينا أنْ تسري عدوى هذا الانحراف إلى سائر الشباب، فتصبح مصر _ وهي زعيمة الأقطار الشرقية _ مبعث الجحود والإباحية، ولكنَّا لم نلبث أن رأينا شباباً في المدارس العالية يحرصون على تلقي دروس علوم الدين، ويتبينون أحكامه وآدابه، ويتصلون بالجمعيات الإسلامية، بل أقول إن للشباب الفضل في إنشاء هذه الجمعيات، أو المؤازرة على نهوضها.

والواقع أنَّ ما قام به بعض العاملين من دعوة الشباب إلى الدين قد أتى بثمر على قدر الجهاد الذي بذل في هذا السبيل.

فمتى اتسعت دائرة هذا الجهاد، وكثر العاملون في صفوفه من رجال العلم، ووجه أولو الشأن عنايتهم للتربية الدينية أكثر مما وجهوا، متى تحقق هذا الأمل _ولا أراه إلاَّ متحققا_ أدركنا كل ما نبتغي من شرف وقوة، وفزنا بحياة آمنة المسالك، محمودة العواقب، ذلك وعد الله، والله لا يخلف الميعاد.

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.