فقه الحج (3/4)

الفصل الثالث

أحكام الحج

وفيه سبعة أبواب:

الباب الأول

شروط الحج

 

شروط الحج خمسة:

الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة.

أ- الإسلام: فلا يجب الحج على الكافر، ولا يصح منه؛ لقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَـٰتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَـٰرِهُونَ} [التوبة: 54]. قال ابن سعدي -رحمه الله-: "الأعمال كلها، شرط قبولها: الإيمان. فهؤلاء لا إيمان لهم، ولا عمل صالح" تيسير الكريم الحرمن (2/ 25).

ولقوله تعالى: {إِنَّمَا الْـمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْـمَسْجِدَ الْـحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا} [التوبة: 28].

ولحديث أبي هريرة رضى الله عنه قال: "بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمَّره عليها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان". هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: "لا يحجُّ بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان" (البخاري ، رقم: 1622، ومسلم رقم: 1347).

ب- العقل: لأن العقل شرط للتكليف، قال صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ" أحمد، 1/ 154، وأبو داود رقم: 4403) ، قال الترمذي: (4/ 32): "والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم". وصححه الألباني (رقم: 297).

ج- البلوغ:

فلا يجب على الصبي حتى يحتلم؛ للحديث السابق؛ ولكن يصحّ منه، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: رفعت امرأة صبيًّا لها، فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: "نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ" (مسلم رقم: 1336).

وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى" (الشافعي ، 1/ 290، والطحاوي 1/ 435)، والبيهقي (5/ 156)، والحاكم (1/ 481)/ وقال الحافظ في "فتح الباري" (4/ 71): "إسناده صحيح". وصححه الألباني (4/ 156) (رقم: 986).

د- الحرية:

فالعبد المملوك "غير مستطيع؛ لأن السيد يمنعه بشغله بحقوقه عن هذه العبادة، وقد قدم الله -سبحانه وتعالى- حق السيد على حقه؛ رفقًا بالعباد، ومصلحة لهم" من كلام ابن العربي في أحكام القرآن (1/ 287).

ولحديث ابن عباس السابق: "... وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى".

هـ- الاستطاعة:

أجمع أهل العلم على أن الاستطاعة شرط لوجوب الحج. شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 124)؛ لقوله تعالى: {وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97]. ولأن التكليف بما لا يطاق منتف شرعًا وعقلًا.

وقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في الاستطاعة العامة على قولين:

القول الأول: أن الاستطاعة هي: الزاد والراحلة. وممن ذهب إلى ذلك الحنفية والشافعية. والحنابلة.

واستدلوا: بحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما يوجب الحج؟ قال: "الزَّادُ، وَالرَّاحِلَةُ" (الترمذي ، رقم: 813، وابن ماجه ، رقم: 2896)، والبيهقي ، 5/58).

والقول الثاني: أنه لا يشترط وجود الزاد والراحلة؛ بل يجب الحج على القادر على المشي إن أمكنه الوصول بلا مشقة عظيمة زائدة على مشقة السفر العادية. وهو الصحيح من مذهب المالكية، الشح الكبير (2/ 5- 10)، الشرح الصغير (2/10- 13).

وقالوا: إن الحديث الذي فيه ذكر الزاد والراحلة لا يثبت.

وقال الشوكاني: "وقد اختلف أهل العلم في الاستطاعة ماذا هي؟ فقيل: الزاد والراحلة وإليه ذهب جماعة من الصحابة، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم، وهو الحق... ومن جملة ما يدخل في الاستطاعة دخولاً أولياً أن تكون الطريق إلى الحج آمنة بحيث يأمن الحاج على نفسه وماله الذي لا يجد زاداً غيره، أما لو كانت غير آمنة فلا استطاعة لأن الله سبحانه يقول: {مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97]، وهذا الخائف على نفسه أو ماله لم يستطع إليه سبيلاً بلا شك ولا شبهة..." فتح القدير (1/362).

والاستطاعة الموجبة للحج لها شروط، وهذه الشروط قسمان:

شروط عامة للرجال والنساء، وشروط تخص النساء فقط.

فأما الشروط العامة فقد سبق ذكرها.

وأما الشروط الخاصة بالنساء فقد قال الكاساني -رحمه الله-: "وأما الذي يخص النساء فشرطان:

أحدهما: أن يكون معها زوجها أو محرم لها، فإن لم يوجد أحدهما لا يجب عليها الحج.

والثاني: أن لا تكون معتدة عن طلاق أو وفاة" بدائع الصنائع (2/123- 124) باختصار.

 

الباب الثاني

أركان الحج

 

1- الإحرام: والمراد به: نية الدخول في النسك، وليس لبس ثوب الإحرام؛ لأنّ الإنسان قد ينوي النسك فيكون محرمًا، ولو كان عليه قميصه وإزاره.

ولا يكون المحرم محرمًا إلاّ بنية الإحرام؛ لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" (البخاري رقم:1).

2- الوقوف بعرفة: قال تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198]، فدل على أنه لا بد منه؛ لحديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه قال: شهدت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة، وأتاه ناس من أهل نجد، فقالوا: يا رسول اللَّه، كيف الحج؟ قال: "الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ. أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ، {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}"، ثم أردف رجلاً خلفه، فجعل ينادي بهن. وهذا لفظ ابن ماجه، ولفظ الترمذي: "الحَجُّ عَرَفَاتٌ، الحَجُّ عَرَفَاتٌ، الحَجُّ عَرَفَاتٌ، أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثٌ، {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}، وَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الحَجَّ" (ابن ماجه، رقم: 3015)، وأبو داود (رقم: 1949)، والنسائي (رقم: 3019)، والترمذي (رقم: 2975) ، وصححه الألباني (4/256).

3- طواف الزيارة (الإفاضة): وهو الطواف الذي يحصل به التحلل الأكبر، قال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]. والشاهد من الآية: قوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا}، فالفعل المضارع إذا اقترن بلام الأمر أفاد الأمر والطلب.

ولحديث عائشة - رضي اللَّه عنها- قالت: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفية، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول اللَّه، إنها حائض. قال: "أَحَابِسَتُنَا هِيَ ؟" قالت عائشة: يا رسول اللَّه، إنها قد كانت أفاضت، وطافت بالبيت، ثم حاضت بعد الإفاضة. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "فَلْتَنْفِرْ [إِذًا]".

ولفظ البخاري: أن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: يا رسول اللَّه، إنها حائض. قال: "أَحَابِسَتُنَا هِيَ ؟"، قالوا: يا رسول اللَّه، أفاضت يوم النحر. قال: "اخْرُجُوا" (البخاري ، رقم: 1733، ومسلم  رقم: 1211).

قال الإمام ابن قدامة - رحمه اللَّه -: "وسُمِّيَ طواف الزيارة؛ لأنه يأتي من منى فيزور البيت، ولا يقيم بمكة؛ بل يرجع إلى منى. ويُسمَّى طواف الإفاضة؛ لأنه يأتي به عند إفاضته من منى إلى مكة. وهو ركن للحج، لا يتمُّ إلا به، لا نعلم فيه خلافًا" المغني (5/311).

ولطواف الزيارة وقتان: وقت فضيلة، ووقت إجزاء.

فأما وقت الفضيلة؛ فيوم النحر: بعد الرمي، والنحر، والحلق.

وأما وقت الجواز؛ فأوله من بعد نصف الليل من ليلة النحر. وبهذا قال الإمام أحمد، والشافعي.

وقال أبو حنيفة: أوله طلوع الفجر من يوم النحر، وآخره آخر أيام النحر. وهذا مبنيٌّ على أول وقت الرمي.

وأما آخر وقته؛ فاحتج بأنَّه نُسُكٌ يفعل في الحج، فكان آخره محدودًا؛ كالوقوف والرمي، قال ابن قدامة: "والصحيح أن آخر وقته غير محدود؛ فإنه متى أتى به صحَّ بغير خلاف، وإنما الخلاف في وجوب الدم" المرجع السابق، 5/313.

4- السعي بين الصفا والمروة: ودليله قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "اسْعَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ" أحمد (6/421)، والحاكم (4/70)، والبيهقي (5/97)، وحسنه النووي (8/82). وصححه الألباني (4/269).  

وعن أم المؤنين عائشة رضي الله عنها قالت: "ما أتم اللَّه حج من لم يطف بين الصفا والمروة"، وفي لفظ للبخاري ومسلم: "ما أتم اللَّه حج امرئ ولا عمرته ما لم يطف بين الصفا والمروة"  (البخاري، رقم: 1790، رقم: 1643)، ومسلم (رقم: 1277)، وفي لفظ: "أن بعض الأنصار قالوا: إنما أمرنا بالطواف بالبيت، ولم نؤمر به بين الصفا والمروة. فأنزل اللَّه تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْـمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ﴾" (البخاري رقم 1643)، ومسلم (رقم 261)، (رقم: 1277).

 

الباب الثالث

واجبات الحج

 

1- الإحرام من الميقات: وهو المكان الذي حدده الشارع للإحرام؛ بحيث لا يجوز تعديه بدون إحرام لمن كان يريد الحج أو العمرة.

فيجب على كل من أراد الإحرام بالحجّ أن يحرم من الميقات، ومن كان دون الميقات فمن حيث أنشأ النية.

والدليل على وجوب الإحرام من الميقات: قول ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "فرضها –أي: المواقيت- رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجدٍ قرنًا، ولأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة".

2- الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس: لحديث جابر –رضي الله عنه- في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: "فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلًا؛ حتى غاب القرص" مسلم (رقم: 1218).

ولحديث جابر –رضي الله عنه- أيضًا قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: "لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ" مسلم في الحج، باب: استحباب رمي جمرة العقبة راكبًا، وبيان قوله: "لتأخذوا عني مناسككم" (رقم: 1297).

ولو لم يكن الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس واجبًا؛ لبادر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنّه كان أرفق بالنّاس، كما قالت عائشة رضي الله عنها: "ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما؛ ما لم يكن إثمًا"  البخاري (رقم: ).

3- المبيت بمزدلفة: لحديث عروة بن مُضَرِّسِ رضي الله عنه أنّه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلي الفجر في مزدلفة، فأخبره أنّه ما ترك جبلًا إلَّا وقف عنده، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ" أحمد (15/4، 216، 262)، وأبو داود (رقم: 1950)، والترمذي (رقم: 891)، وقال: "حسن صحيح".

4- المبيت بمنى أكثر الليل: المبيت بمنى ليالي أيَّام التشريق الثلاثة للمتأخرين، وليلتين للمتعجلين؛ لقول اللَّه تعالى: {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِـمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203]؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها ليالي أيام التشريق الثلاث، ولأنه أَذِنَ للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فعن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن العباس –رضي الله عنه- استأذن النبي صلى الله عليه وسلم ليبيت بمكة ليالي منى؛ من أجل سقايته، فأَذِنَ له أخرجه البخاري في الحج، باب: هل يبيت أصحاب السقامة أو غيرهم بمكة ليالي منى (رقم 1743، 1745)، وفي باب: سقاية الحاج (رقم: 1634)، ومسلم في الحج، باب: وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق والترخيص في تركه لأهل السقاية (رقم: 1315).

وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته، وخلفه أسامة، فاستقى، فأتيناه بإناء من نبيذ، فشرب، وسقى فضله أُسامة، وقال: "أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ، كَذَا فَاصْنَعُوا"، فلا نريد تغيير ما أمر به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم في الحج، باب: وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق والترخيص في تركه لأهل السقاية (رقم 1316).

ورخص النبي صلى الله عليه وسلم لرعاة الإبل في البيتوتة عن منى؛ لحديث عاصم بن عدي -رضي الله عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء في البيتوتة يرمون يوم النحر، واليومين اللذين بعدهما يجمعونهما في أحدهما أخرجه النسائي في مناسك الحج، باب: رمي الدعاء (رقم 3071)، والترمذي في الحج، باب: ما جاء في الرخصة للعراء أن يرموا يومًا، ويدعو يومًا (رقم 954، 955)، وابن ماجه في المناسك، باب: تأخير رمي الجمار عن عذر (رقم: 3037)، وأبو داود في المناسك، باب: في رمي الجمار (رقم: 1975)، وأحمد (5/450). وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (4/280) (رقم: 1080).  فدلت هذه الرخصة والإذن على أن المبيت بمنى هذه الليالي واجب على غير السقاة والرعاة ومن في حكمهم.

5- رمي الجمرات: والمراد به: رمي الجمار في يوم العيد جمرة العقبة يوم النحر قبل الزوال وبعده، ورمي الجمرات الثلاث أيام التشريق الثلاثة بعد زوال الشمس؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في الرمي: "إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ" أحمد (40/408) رقم (24351، 24268، 25080)، وأبو داود، (رقم: 1888)، والترمذي (رقم: 902)، وابن خزيمة في صحيحه (4/222) (رقم: 2738)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (ص148)، وحسن إسناده عبد القادر الأرنؤوط في تحقيقه لجامع الأصول (3/218)، وقال الأعظمي في تحقيقه ابن خزيمة (4/222): "إسناد صحيح".

وقال جابر –رضي الله عنه-: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: "لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ". وهو عملٌ يترتب عليه الحل فكان واجبًا.

6- الحلـق أو التقصير: لقول اللَّه تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْـهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، فقال: "وَلِيُقَصِّرَ وَلِيُحِلَّ" (البخاري في الحج، باب: من ساق البدن معه، رقم 1691)، ومسلم في الحج، باب: وجوب الدم على المتمتع، وأنه إذا عدمه لزمه صيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله (رقم1227)؛ ولحديث أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ". قالوا: وللمقصرين. قال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ". قالوا: وللمقصرين. قال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ". قالوا: وللمقصرين. قالها ثلاثًا، قال: "وَالْمُقَصِّرِينَ" (البخاري ، رقم: 1728)، ومسلم (رقم: 1302).

وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ". قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه؟ قال: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ". قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه؟ قال: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ". قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه؟ قال: "وَالْمُقَصِّرِينَ" (البخاري رقم: 1727، ومسلم رقم: 1301).

وعن عبداللَّه – رضي الله عنه- قال: "حلق النبي صلى الله عليه وسلم وطائفة من أصحابه، وقصَّر بعضهم" (البخاري ، رقم: 1719، ومسلم رقم: 1301).

7- طواف الوداع: لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف للوداع عند خروجه من مكة، لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك، فعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: "كان الناس ينصرفون في كل وجهةٍ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ" (مسلم ، رقم:1327).

وعنه أيضًا –رضي الله عنه- قال: "أُمِرَ الناسُ أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفِّف عن المرأة الحائض" (البخاري رقم: 1755، ومسلم رقم: 1328).

 

الباب الرابع

محظورات الإحرام

المحظور: هو الممنوع المحرَّم. ومنه قوله تعالى: {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20]، أي: ممنوعًا.

ومحظورات الإحرام: ما يحرم على المحرم فعله بسبب الإحرام.

وهي نوعان: نوعٌ يوجب فساد الحجّ، ونوعٌ لا يوجب فساده.

فالنوع الأول الذي يوجب فساد الحجّ: الجماع. لقول اللَّه تعالى: {الْـحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْـحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْـحَجِّ} [البقرة: 197]. والرفث: هو الجماع.

 

 

والجماع يفسد الحجّ بشرطين اثنين:

الأول: أن يكون الجماع في الفرج. فهذا متفق عليه عند جمهور أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة.

الثاني: أن يكون الجماع قبل التحلل الأول.

حكم الحجّ إذا فسد:

عن يزيد بن نُعيم الأسلميّ أنّ رجلًا من جُذام جامع امرأته، وهما محرمان، فسألا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: "اقْضِيَا نُسُكًا، وَأَهْدِيَا هَدْيًا" (أبو داود ص147، رقم: 140). وقال ابن حجر في "التلخيص" (2/596): "رجاله ثقات، مع إرساله".

وعن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- في رجلٍ وقع على امرأته وهو محرم، قال: "اقضيا نسككما، وارجعا إلى بلدكما، فإذا كان عام قابل، فاخرجا حاجّين، فإذا أحرمتما فتفرقا، ولا تلتقيا حتى تقضيا نسككما، وأهديا هديًا" (البيهقي بإسناد صحيح).

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه أنّ رجلًا أتى عبد الله بن عمرو -وأنا معه- يسأله عن محرم وقع بامرأته، وأشار إلى عبد الله بن عمر، فقال: اذهب إلى ذلك فسله. قال شعيب: فلم يعزم الرجل، فذهبت معه، فسأل ابن عمر. فقال: بطل حجّك. فقال الرجل: فما أصنع؟ قال: اخرج مع الناس، واصنع ما يصنعون، فإذا أدركت قابل فحج وأهدِ. فرجع إلى عبد الله بن عمرو -وأنا معه- فأخبره، فقال: اذهب إلى ابن عباس فسله. قال شعيب: فذهبت معه إلى ابن عباس، فسأله، فقال مثل ما قال ابن عمر، فرجع إلى عبد الله بن عمرو -وأنا معه- فأخبره بما قال ابن عباس، ثم قال: "ما تقول أنت"؟ فقال: "قولي مثل ما قالا" (البيهقي، وقال: هذا إسناد صحيح).

الآثار المترتبة على فساد الحجّ:

1- أنّ الرجل والمرأة يستويان في فساد الحجّ.

2- أنّه يجب المضي في فاسده.

3- أنّ عليه بدنة.

4- أنّه يجب قضاؤه.

5- أن عليهما أن يتفرقا في القضاء حتى يتما حجّهما.

أمّا إذا حصل الجماع بعد التحلل الأول، وقبل طواف الإفاضة؛ فالحجّ صحيح، ولا يلزمه شيءٌ غير التوبة والإنابة.

النوع الثاني الذي لا يوجب فساد الحجّ: ثمانية:

1- إزالة الشعر من أي موضع بالبدن بلا عذر: قال تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْـهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]. وهذا نص على حلق الرأس، ويقاس عليه سائر شعر البدن.

أمّا مع وجود العذر؛ فيجوز حلق شعر الرأس، وعليه الفدية، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]، وقد بيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديث كعب بن عجرة هذه الفدية، فقال: "صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ أَوْ ذَبْحُ شَاةٍ". وهي المعروفة عند أهل العلم بـ"فدية الأذى".

أمّا ازالة سائر شعر البدن؛ فلا حرج عليه إن احتاج إليه. وإن لم يحتج إليه؛ فالأولى أن لا يأخذ شيئًا من شعر بدنه احتياطًا، ولا بأس عليه إن فعل.

2- تقليم الأظفار من اليدين أو الرجلين بلا عذر: وهذا المحظور ليس عليه نصّ من كتاب أو سنة؛ وإنما قاسوه الفقهاء على حلق شعر الرأس، بجامع الترفه، فأشبه إزالة الشعر؛ إلا إذا انكسر ظفره وتأذَّى به فلا بأس أن يزيل المؤذي منه فقط، ولا شيء عليه.

3- تعمد تغطية الرأس للرجل: وكذلك الوجه على الصحيح للرجل بملاصق كالعمامة، والغترة، والطاقية، وما أشبه ذلك. أما غير المتصل الملاصق؛ كالخيمة، والشمسية، وسقف السيارة، فلا بأس؛ لحديث عبداللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قام رجل فقال: يا رسول اللَّه، ما تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ وَلاَ الْعَمَائِمَ وَلاَ الْبَرَانِسَ البرانس: الثوب الذي رأسهه منه.  [وَلَا الْخِفَاف] إِلاَ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلاَ تَلْبَسُوا [مِن الثِّيَابِ] شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ الْوَرْسُ الورس: نبت أصفر يكون باليمن تتخذ منه المغرة للوجه، وتصبغ به الثياب، جامع الأصول: لابن الأثير (3/24).  وَلاَ تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ، وَلاَ تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ" (البخاري رقم: 1838، ومسلم رقم 1177).

أما جواز الاستظلال؛ فلحديث أم الحصين قالت: "حججت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيته حين رمى جمرة العقبة، وانصرف وهو على راحلته، ومعه بلالٌ وأُسامة، أحدهما يقود به راحلته، والآخر رافعٌ ثوبه على رأس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الشمس، قالت: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قولًا كثيرًا، ثم سمعته يقول: "إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ مجدَّع: أي مقطع الأعضاء. بالتشديد للتثير، وإلا فالجدع قطع الأنف، والأذن، والشفة، والذي قع منه ذلك أجدع.  حَسِبْتُهَا قَالَتْ أَسْوَدُ، يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا"، وفي لفظ قالت: "حججت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالًا، وأحدهما آخذٌ بخطام ناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحرِّ؛ حتى رمى جمرة العقبة" أخرجه مسلم في الحج، باب: استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا، وبيان قوله صلى الله عليه وسلم: "لتأخذوا عني مناسككم" (رقم: 1298).

ولحديث جابر –رضي الله عنه- في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: "أنه صلى الله عليه وسلم نزل في القبة التي ضُربت له بنمرة؛ حتى زاغت الشمس" (مسلم في الحج، باب: حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: 1218).

وأما تغطية الوجه؛ فلحديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: بينما رجل واقف بعرفة؛ إذ وقع عن راحلته فَوَقَصَتْهُ وقصته: الوَقْصُ: كسر العُنُق، وقصْتُ عُنُقه أقِصُها، وَوَقصَتْ به راحِلتُه، النهاية: مادة – وقص.

وفي رواية لمسلم: أن رجلًا أوقصته راحلته وهو محرم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا" (مسلم، رقم: 98). وفي لفظ لمسلم: وقصت رجلًا راحلته، وهو مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأمرهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "أن يغسِّلوه بماء وسدرٍ، وأن يكشفوا وجهه، ورأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا"ً (مسلم ،رقم: 102، (لبخاري رقم: 1265).

والمرأة لا تلبس النقاب والبرقع ولا القفازين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَنْتَقِبِ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ" (البخاري، رقم: 1838) واللفظ له، ومسلم (رقم: 1177)؛ ولكن إذا احتاجت إلى ستر وجهها؛ لمرور الرجال الأجانب قريبًا منها؛ فإنها تسدل الثوب أو الخمار من فوق رأسها على وجهها، قالت عائشة -رضي اللَّه عنها-: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه" (أبو داود رقم: 1835)، وأحمد (6/30)، وفي سنده يزيد بن أبي زياد القرشي، وحسن إسناده الأرنؤوط لشاهده عند الحاكم.

وعن فاطمة بنت المنذر -رحمها اللَّه- قالت: "كنَّا نُخمِّر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر". مالك (1/328)، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي (1/454). وقال الألباني (4/212).

وعن معاذة عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: "المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت؛ إلَّا ثوبًا مسَّه ورس أو زعفران، ولا تتبرقع، ولا تَلَثَّم، وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت" (البيهقي ، 5/47).

4- لبس الرجل للمخيط عمدًا: في جميع بدنه، أو في بعضه مما هو مفصّل على الجسم كالقميص، والعمامة، والسراويل، والبرانس –وهو كل ثوب رأسه منه– والقفازين، والخفين، والجوربين، وكل ثوب مسه وَرْسٌ أو زعفران؛ لحديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، وفيه: "لاَ تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ، وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ، وَلاَ الْعَمَائِمَ، وَلاَ الْبَرَانِسَ، وَلاَ الْخِفَافَ؛ إِلاَ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ" (البخاري، رقم 1838، 1542، ومسلم رقم 1177).

ثم نسخ قطع الخفين على الصحيح لمن لم يجد النعلين، فعن جابر عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات: "مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ لِلْمُحْرِمِ" أ(لبخاري رقم 1841)، ومسلم، رقم: 1179).

وقال ابن تيمية -رحمه اللَّه-: "وإذا لم يجد نعلين، ولا ما يقوم مقامهما؛ فله أن يلبس الخف ولا يقطعه، وكذلك إذا لم يجد إزارًا؛ فإنه يلبس السراويل، ولا يفتقه. هذا أصح قولي العلماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في البدل في عرفات" مجموعة فتاوى ابن تيمية (26/ 110).

5- تعمّد استعمال الطيب: في الثوب، أو البدن، أو المأكول، أو المشروب؛ لحديث يعلى بن أمية –رضي الله عنه- أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمِّخ بطيب؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، فجاءه الوحي، فأشار عمر –رضي الله عنه- إلى يعلى، فجاءه يعلى وعلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثوب قد أُظل به، فأدخل رأسه، فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مُحمّر الوجه، وهو يغطُّ، ثم سُرِّي عنه، فقال: "أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ العُمْرَةِ؟"، فأُتي برجلٍ فقال: "اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَانْزِعْ عَنْكَ الجُبَّةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ". وفي لفظ: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه أثر الخلوق، أو قال: صفرة، فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ وفي الحديث، قال: "أَيْنَ الَّذِي سَأَلَ عَنِ العُمْرَةِ؟ اخْلَعْ عَنْكَ الجُبَّةَ، وَاغْسِلْ أَثَرَ الخَلُوقِ عَنْكَ الخلوق: نوع من الطيب، أحمر أو أصفر، جامع الأصول. (3/30). وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ" (البخاري رقم: 1536، ورقم: 1789).

وقال في المحرم الذي وقصته ناقته: "وَلاَ تُحَنِّطُوهُ". وفي رواية: "وَلاَ تُمِسُّوهُ طِيبًا".

؛ ولقوله r: "وَلاَ تَلْبَسُوا مِن الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ الْوَرْسُ".

6- قتل صيد البر المأكول وذبحه، واصطياده: لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]، وقوله سبحانه: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96]، وقوله: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1]، وقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [المائدة: 2].

ولحديث الصَّعب بن جثامة الليثي –رضي الله عنه- أنه أهدى لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًا، وهو بالأبواء، أو بودَّان مكان في طريق الذاهب من المدينة إلى مكة. مسلم (8/354)، فردَّه عليه، فلما رأى ما في وجهه، قال: "أَمَا إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ". وفي آخر أيضًا: قال الصعب: فلما عرف ما في وجهي ردَّهُ هديتي، قال: "لَيْسَ بِنَا رَدٌّ عَلَيْكَ، وَلَكِنَّا حُرُمٌ" (البخاري ، رقم: 1825، رقم 2573، رقم: 2596).

7- عقد النكاح: لا يتزوج المحرم، ولا يزوِّج غيره بولاية ولا بوكالة؛ لما ثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "لَا يَنْكِحُ المحرِمُ، وَلَا يُنْكِح، وَلَا يَخْطُب وَلَا يُخْطَب عَلَيهِ" (مسلم رقم: 1409)،

ولأنّ الإحرام يمنع من الوطء ودواعيه، فمُنِع عقد النكاح؛ لأنّه من دواعي الوطء.

أمّا ما جاء من حديث ابن عباس أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرمٌ؛ فالراجح أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال، كما روت ذلك ميمونة نفسها، وهي أعلم بنفسها من ابن عبّاس. وكذلك أخبر أبو رافع الذي كان سفيرًا بينها وبين النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

8- المباشرة من الرجل للمرأة فيما دون الفرج: إذا وقعت المباشرة قبل التحلل الأول؛ فإنّه لا يفسد الحجّ ولا الإحرام؛ ولكنه قد ارتكب محظورًا محرمًا، واستحق إثمًا؛ إلَّا أن يستغفر الله.

وكذلك لو باشرها بعد التحلل الأول؛ فإنّ الإثم عليه بارتكابه هذا الأمر؛ لأنّه لم يتحلل التحلل الكامل بعدُ.

 

ويتلخص مما سبق ما يلي:

1) فدية محظورات الإحرام:

فاعل هذه المحظورات له ثلاث حالاتٍ:

الأولى: أن يفعل المحظور بلا عذرٍ ولا حاجة. فهذا آثمٌ، وعليه الفدية.

الثانية: أن يفعل المحظور لحاجة إلى ذلك، مثل: أن يحتاج إلى لبس القميص لدفع برد يخاف منه الضرر. فيجوز أن يفعل ذلك، وعليه فديته، كما جرى لكعب بن عجرة رضي الله عنه حين حُمِل إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر من رأسه على وجهه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا كُنْتُ أُرَى الوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى -أَوْ مَا كُنْتُ أُرَى الجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى- تَجِدُ شَاةً؟" فقلت: لا. فقال: "فَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ". متفق عليه.

 

الثالثة: أن يفعل المحظور وهو معذور بجهل أو نسيانٍ أو إكراه؛ فلا إثم عليه ولا فدية؛ لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]. ولقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ".

2) تنقسم محظورات الإحرام بالنسبة إلى الفدية إلى أربعة أقسام:

1- ما لا فدية فيه، وهو: عقد النكاح.

2- ما فديته بدنة، وهو: الجماع في الحجّ قبل التحلل الأول.

3- ما فديته جزاؤه أو ما يقوم مقامه، وهو: قتل الصيد.

4- ما فديته صيامٌ أو صدقة أو نسك، وهو: فدية الأذى في حلق شعر الرأس، وألحق به العلماء بقية المحظورات؛ سوى عقد النكاح والجماع والصيد.


جدول

محرمات الحج

وما يترتب على فعل شيء منها

 

م

المحرمات

ما يترتب على فعل شيء منها سهوًا أو عمدًا

1

لبس المخيط من الثياب وغيرها

الفدية بذبح شاة

2

تغطية رأس الرجل، أو وجه المرأة

الفدية بذبح شاة. وعند الشافعي، وأحمد: لا فدية على الناسي والمكره.

3

إزالة الشعر من الجسم بأي الأنواع.

الفدية بذبح شاة؛ إلا إذا كان الشعر المزال لا يتجاوز 12 شعرة؛ وإلا فعليه التصدق بحفنة من البر عن "الشعر القليل".

4

قص الأظافر

الفدية بذبح شاة؛ إلا إذا كان المقلم ظفرًا أو اثنين فعليه التصديق بمد عن الواحد، وباثنين عن الظفرين، وهكذا.

5

استعمال الطيب مطلقًا

الفدية بالذبح

6

صيد الحيوان أو التعرض له بأي حال.

عليه بذلك جزاء: (1) مثل ما قتل من النعم، أو (2) التصدق بطعام لكل مسكين يوازي قيمته نصف صاع، أو (3) الصيام عن كل مسكين يومًا.

7

قطع نبات الحرم أو شجرة

الفدية بالذبح

8

الجماع والتمتع بالنساء

فساد الحج: وعند الشافعي لا يفسد إذا كان الرجل ناسيًا أو مكرهًا عليه.

 

 

 

 

 

الباب الخامس

مواقيت الحج

 

المواقيت: جمع ميقات، وهو: ما حُدِّد ووُقِّت للعبادة؛ من زمان ومكان.

والتوقيت: التحديد، وهو: أن يجعل للشيء وقتٌ يختصُّ به، وهو بيان مقدار المدة. ثم اتُّسع فيه فأُطلق على المكان، فقيل للموضع: ميقات.

والمراد بالميقات هاهنا: الوقت والمكان اللذان يحرِمُ منهما الحاج أو المعتمر، وينشئ النية.

وهو في الاصطلاح: موضع العبادة وزمانها.

والمقصود به في هذا البحث.. ما حدده الشارع للإحرام من المكان والزمان القاموس المحيط (ص208)، والمصباح المنير (2/667).

أنواع المواقيت:

المواقيت نوعان: مواقيت زمانية، ومواقيت مكانية.

- المواقيت الزمانية:

بالنسبة للحاج من أول شوال إلى العاشر من ذي الحجة، قال الله تعالى: {الحـَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحـَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحـَجِّ} [البقرة: 197].

وقال ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: "أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة" (لبخاري في الحج، باب قول الله تعالى: {الحـَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحـَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحـَجِّ} [البقرة: 189] قبل الحديث (رقم 1560).

وقال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: "من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج" (البخاري رقم: 1560).

 

 

 

- المواقيت المكانية:

وهي خمسة بتوقيت النبي صلى الله عليه وسلم:

1- ذو الحليفة وقد سماها جهال العامة: أبيار علي؛ لظنهم أن عليًّا قاتل الجن بها، وهو كذب؛ فإن الجن لم يقاتلهم أحد من الصحابة – رضوان الله عليهم -.

وذو الحليفة: قرية ماء من مياه بني جشم.  وهي موضع لبني جشم –بضم الجيم، وفتح الشين-، وهي ميقات أهل المدينة ومن أتى على طريقهم. والمسافة بينها وبين المسجد النبوي 13 كيلو، ومنها إلى مكة 420 كيلو. وهي أبعد المواقيت من مكة.

2- الجُحْفة – بضم الجيم، وسكون الحاء-: وهي ميقات أهل الشام، وهي قرية بين مكة والمدينة؛ لكنها خرابة الآن. وسميت الجحفة؛ لأن السيل اجتحفها، وحمل أهلها في بعض الأعوام، وقد كانت قرية كبيرة اسمها مهيعة.

والناس يحرمون اليوم من "رابغ"؛ لأنها قريبة منها، تقع عنها غربًا ببعد 22 ميلًا، ويحاذي الجحفة من خط الهجرة الخط السريع من المدينة باتجاه مكة، وبين هذه المحاذاة ومكة 208 كيلو. وتبعد "رابغ" عن مكة 186 كيلو، ويحرم منها أهل شمال المملكة العربية السعودية، وساحل المملكة الشمالي إلى العقبة، ويحرم منها بلدان إفريقيا الشمالية والغربية، وأهل لبنان، وسوريا، والأردن، وفلسطين، ومن مرَّ عليها من غيرهم.

3- قرن المنازل قرن المنازل: هو قرن الثعالب – بسكون الراء -: ميقات أهل نجد تلقاء مكة على يوم وليلة، وهو قرنٌ أيضًا غير مضاف، وأصله الجبل الصغير المستطيل، المنقطع عن الجبل الكبير. معجم البلدان (4/332).

4- يلملم – بفتح اللامين، وسكون الميم-: وفيه بئر تسمى "السعدية". ويلملم: وادٍ عظيم، ينحدر من جبال السروات إلى جبال تهامة، ثم يصب في البحر الأحمر. ويبعد مكان الإحرام منه عن مكة المكرمة 120 كيلو. وهو ميقات أهل اليمن والهند.

عن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما- قال: "وقَّت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم. فهن لهن ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهنَّ فمهلَّه مُهَلٌّ: موضع الإهلال، يعني به: الميقات، وموضع الإحرام"، (البخاري رقم: 1526)، ومسلم (رقم 1181).

5- ذات عرق: هذا الميقات مهجور الآن؛ لعدم وجود الطرق عليها، واليوم حجاج المشرق الذين يأتون عن طريق البر يحرمون من السيل، أو من ذي الحليفة.

 وهو يقع عن مكة شرقًا بمسافة قدرها 100 كيلو. وسمي بذلك؛ لأن بها جبلًا يسمى عرقًا –بكسر العين، وسكون الراء-، يشرف على وادٍ يقال له: وادي العقيق. وهي ميقات أهل العراق، وسائر أهل المشرق.

عن عائشة -رضي اللَّه عنها-: "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق".

وعند النسائي ذكر المواقيت الخمسة، عن أم المؤمنين عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "وقت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل العراق ذات عرق، ولأهل نجد قرنًا، ولأهل اليمن يلملم".

مسائل تتعلق بالمواقيت:

1- أن المواقيت الخمسة السابقة مواقيت أيضًا لمن مرّ عليها من غير أهلها، وهو يريد النسك حجًا كان أو عمرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن".

2- من كان مسكنه أقرب إلى مكة من الميقات؛ كأهل جدة وعسفان، فميقاته من موضع سكناه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "فمن كان دونهن فمهله من أهله".

3- يهل أهل مكة بالحج من بيوتهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "حتى أهل مكة يهلون من مكة". وأما العمرة؛ فإنهم يهلون لها من الحل خارج مكة، فيخرجون إلى خارج حدود الحرم فيحرمون ثم يعودون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بعائشة في عمرتها من مكة إلى التنعيم، وهو أدنى الحل.

4- من سلك إلى الحرم طريقًا لا ميقات فيها، فميقاته المحل المحاذي لأقرب المواقيت إليه.

5- لا يجوز لمن من مرّ بهذه المواقيت وهو يريد الحج أو العمرة أن يتجاوزها إلا محرمًا.

6- إن جاوز مريد الحج أو العمرة الميقات دون أن يحرم منه فما الحكم؟

قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي: "أظهر أقوال أهل العلم عندي: أنه إن جاوز الميقات ثم رجع إلى الميقات وهو لم يحرم أنه لا شيء عليه؛ لأنه لم يبتدئ إحرامه إلا من الميقات، وأنه إن جاوز الميقات غير محرم وأحرم في حال مجاوزته الميقات ثم رجع إلى الميقات محرماً أن عليه دماً لإحرامه بعد الميقات".

7- من أراد دخول مكة لغير الحج أو العمرة؛ كالزيارة والتجارة ونحوها، لم يجب عليه الإحرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لمن أراد الحج أو العمرة"، والإحرام في حقه أفضل.

8- من مرّ بالمواقيت وهو لا يريد حجًّا ولا عمرة، ثم بدا له بعد ذلك أن يعتمر أو يحج؛ فإنه يحرم من المكان الذي عزم فيه على ذلك؛ لقول ابن عباس: "فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ".

 

 

الباب السادس

أنواع النسك

 

الحجّ ثلاثة أنساك:

إمّا تمتع، أو قران، أو إفراد.

أولًا: الإفراد:

الإفراد: هو أن يحرم بالحجّ وحده في أشهر الحجّ.

وصفة التلفظ بِهذا النسك مع النية القلبية أن يقول عند الإحرام: "لبيك حجًّا".

أعمال المفرد:

إذا وصل مكة عليه أن يطوف طواف القدوم، ثم يسعى إن شاء سعي الحجّ بعد طواف الإفاضة، وإن شاء أخره بعد طواف الزيارة اليوم العاشر، ويبقى على إحرامه إلى أن يحل بعد رمي جمرة العقبة، ولا يلزمه هدي.

ثانيًا: التمتع:

التمتع: هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحجّ، ثم يتحلل منها، ثم يحرم بالحجّ في اليوم الثامن من نفس العام دون أن يرجع إلى بلده.

وصفة التلفظ بهذا النسك أن يقول عند الإحرام: "لبيك عمرة". ثم يقول في الثامن: "لبيك حجًّا".

أعمال المتمتع:

إذا وصل مكه طاف وسعى للعمرة، ثم تحلل بحلق أو تقصير. فإذا كان اليوم الثامن يوم التروية أحرم بالحجّ وحده، وأتى بجميع أفعاله. ويلزمه الهدي؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196].

شروط التمتع:

1- أن يجمع بين الحجّ والعمرة.

2- أن يكون هذا الجمع في سفر واحد.

3- في عام واحد.

4- في أشهر الحج.

5- أن يقدم العمرة على الحجّ.

6- ألا يمزجها، فيكون الحجّ بعد التحلل من العمرة.

7- أن تكون العمرة والحجّ عن شخص واحد.

8- أن يكون من غير أهل مكة.

ثالثًا: القِران:

القران: هو أن يحرم بالحجّ والعمرة معًا، فيبقى على إحرامه إلى أن يفرغ من أعمال العمرة والحجّ.

وصفة التلفظ بِهذا النسك مع النبية القلبية أن يقول عند الإحرام: "لبيك عمرة وحجًّا".

أعمال القِران:

وتندرج أفعال العمرة في أفعال الحجّ، فعمل القارن عمل المفرد، سواء بسواء، فعن ابن عمر رضي الله عنه أنّه قرن الحجّ إلى العمرة، وطاف لهما طوافًا واحدًا، ثم قال: "هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم".

ويلزمه الهدي؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196].

الفرق بين عمل القارن وعمل المتمتع:

أنّ القارن عليه طواف واحد وسعي واحد. أمّا المتمتع فعليه طواف وسعي لعمرته، وطواف وسعي لحجته.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا". قالت: فطاف الذين أهلُّوا بالعمرة، ثم حَلُّوا، ثم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منى. وأمّا الذين جمعوا بين الحجّ والعمرة؛ فإنّما طافوا طوافًا واحدًا. متفق عليه.

القران أفضل الأنساك لمن ساق الهدي ثم التمتع ثم الإفراد:

استحبّ جمعٌ من أهل العلم لمن كان قارنًا ولم يسق الهدي، أو مفردًا أن يتحلل بعمرة، ويتمتع من عامه ذلك؛ لحديث أبي شهابٍ قال: قدمتُ مكة بعمرةٍ، فدخلنا قبل يوم التروية بثلاثة أيّام، فقال لي أناسٌ من أهل مكة: يصير الآن حجّك مكيًّا. فدخلتُ على عطاء أستفتيه، فقال: حدثني جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: أنّه حجّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ساق البُدن معه، وقد أهلُّوا بالحجّ مفردًا. فقال لهم: "أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ البَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَلاَلًا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالحَجِّ، وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً". فقالوا: نجعلها متعة وقد سمَّينا الحجّ؟ فقال: "افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ، فَلَوْلاَ أَنِّي سُقْتُ الهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لاَ يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ". (البخاري، رقم:  1568).

 

بل أوجب ذلك بعض أهل العلم، قال ابن القيّم: "وقد ذهب جماعة من السلف والخلف إلى إيجاب القران على من ساق الهدي، والتمتع بالعمرة المفردة على من لم يسق الهدي، منهم: عبد الله بن عباس وجماعة، فعندهم لا يجوز العدول عمّا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، "وأمر به أصحابه، فإنّه قرن وساق الهدي، وأمر كل من لا هدي معه بالفسخ إلى عمرة مفردة، فالواجب: أن نفعل كما فعل، أو كما أمر.

وأفضل الأنساك أن يسوق الهدي ويقرن؛ لأنّ القران هو المنسك الذي اختاره الله -تبارك وتعالى- لنبيِّه صلى الله عليه وسلم، قال ابن القيّم: "ولم يكن الله ليختار له إلاّ أفضل الأمور، ولا سيما وقد جاءه الوحي به من ربّه تعالى، وخير الهدي هديه صلى الله عليه وسلم".

وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم: "لو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ لَماَ سُقْتُ الْهَدْيَ، ولَجَعَلْتُهاَ عُمْرَةٌ"؛ فهذا كان لأجل تطييب قلوب الصحابة الذين أمرهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأن يتحللوا من حجّهم بعمرة. وإلاّ فإنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ما كان له أن يستقبل من أمره ما استدبره؛ لأنّه أحرم بوحي من الله، ولم يكن صلى الله عليه وسلم ليخالف أمر الله له.

 


الباب السابع

أحكام الزيارة وآدابها

 

1-   فضل المدينة المنورة:

عن عبد اللَّه بن زَيْدِ بن عَاصِمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ إبراهيم حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ المدِينَةَ كما حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ في صَاعِهَا وَمُدِّهَا" قوله: "في صاعها ومدها"، أي: فيما يكال بهما. فهو من باب ذكر المحل وإرادة الحال؛ لأن الدعاء إنما هو للبركة في الطعام المكيل، لا في المكاييل. والمد: مكيال دون الصاع. "بمثلي ما دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ". (البخاري رقم: 2129)، ومسلم (رقم: 1360) واللفظ لمسلم؛ إلا ما بين المعقوفين فمن البخاري.

وعن أَنَسِ بن مَالِكٍ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "اللَّهم بَارِكْ لهم في مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لهم في صَاعِهِمْ، وَبَارِكْ لهم في مُدِّهِمْ"، يعني: أهل المدينة. (البخاري في البيوع، باب: بركة صاع النبي صلى الله عليه وسلم ومده، رقم: 2130) واللفظ له، ومسلم في الحج، باب: فضل الدينة (رقم: 1368).

وعنه –رضي الله عنه- أيضًا قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اللَّهم اجْعَلْ بِالمدِينَةِ ضِعْفَيْ ما بِمَكَّةَ من الْبَرَكَةِ". (البخاري في فضائل المدينة باب: المدينة تنفي الخبث (رقم 1885) واللفظ له، ومسلم في الحج، باب: فضل المدينة (رقم 1369).

وعن أبي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المدِينَةُ حَرَمٌ، فَمَنْ أَحْدَثَ فيها حَدَثًا أو آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه وَالْـمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ منه يوم الْقِيَامَةِ عَدْلٌ ولا صَرْفٌ". (مسلم في الحج، باب: فضل المدينة، (رقم 1371).

وعنه –رضي الله عنه- أيضًا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالَ: "يأتي عَلَى النَّاسِ زمانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابنَ عَمِّه وقَريبَهُ: هَلُمَّ إلى الرخاء! هَلُمَّ إلى الرَّخَاء! والمدينَةُ خَيْرٌ لهمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمونَ، والذي نَفْسي بيدهِ لا يَخْرُجُ منهُمْ أحدٌ رَغبةً عنها إلا أخْلَف اللَّه فيها خَيْراً منْهُ، ألا إنَّ المدينةَ كالكِير" الكير: هو منفخ الحداد الذي ينفخ به النار، أو الموضع المشتمل عليها. الأول يكون من الزق، ويكون من الجلد الغليظ. والثاني – أي موضع نار الحداد – يكون مبنيًّا من الطين، أو هو يسمى كورًا.  "تُخْرِجُ الخَبيثَ. لا تَقُومُ السَّاعةُ حتَّى تَنْفي المدينَةُ شِرارَها. كما يَنْفي الكِيرُ خَبَثَ الحديدِ".  قوله: "خبث الحديد": قال العلماء: خبث الحديد والفضة: هو وسخهما وقذرهما الذي تخرجه النار منهما.

وعن زَيْدِ بن ثَابِتٍ –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّهَا طَيْبَةُ –يَعْنِي: المدِينَة-، وَإِنَّهَا تَنْفِي الخبَثَ كما تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ". (لبخاري ، باب: {فما لكم في الالمنافقين فئتين} (رقم 4589)، ومسلم (رقم 1385).

وعن أبي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّهُ قال: قال أبو الْقَاسمِ صلى الله عليه وسلم: "من أَرَادَ أَهْلَ هذه الْبَلْدَةِ بِسُوءٍ –يَعْنِي: المدِينَة- أَذَابَهُ اللَّه كما يَذُوبُ الْمِلْحُ في الْمَاءِ". (مسلم رقم 386).

2-   زيارة المسجد النبوي:

تستحب زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مشروعة في أيِّ وقت، وفي أيِّ زمان، وليست من أعمال الحج.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ" (البخاري ، رقم 1133)، ومسلم (رقم: 1395).. وقال صلى الله عليه وسلم: "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ". (ابن ماجه رقم: 1404)، وأحمد (3/ 343، 53). وصححه الألباني (1/236).

فإذا دخل المسجد النبوي الشريف استحب له أن يُقدِّم رجله اليمنى عند دخوله ويقول: "أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ". بسم اللَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبُوابَ رَحْمَتِكَ" (أبو داود ، رقم: 466). وصححه الألباني (رقم: 466).  كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد.

وسن له أن يصلي ركعتين تحية المسجد، أو يصلي ما شاء، ويدعو في صلاته بما شاء والأفضل أن يفعل ذلك في الروضة الشريفة، وهي ما بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم وحجرته؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي" (البخاري ، رقم: 1390).

أما صلاة الفريضة فينبغي للزائر وغيره أن يحافظ عليها في الصف الأول. الذي يلي الإمام فإنه أفضل.

3- زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه:

بعد الصلاة في المسجد النبوي الشريف، يذهب للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-:

- فيقف أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم بأدب ووقار، وخفض صوت، مستقبلًا للقبر، ثم يقول: "السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، اللَّهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللَّهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد". أو يقول: "السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته"؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ" (أبو داود رقم: 2043). وحسنه الألباني (2/383).

. وإن قال: "أشهد أنك رسول اللَّه حقًّا، وأنك قد بلّغت الرسالة، وأدّيت الأمانة، وجاهدت في اللَّه حق جهاده، ونصحت الأمة، فجزاك اللَّه عن أمتك أفضل ما جزى نبيًّا عن أمته"، فلا بأس؛ لأن هذا كله من أوصافه صلى الله عليه وسلم.

- ثم يخطو خطوة عن يمينه قليلًا ليكون أمام أبي بكر رضي الله عنه فيقول: "السلام عليك يا أبا بكر". وإن زاد شيئًا مناسبًا فلا بأس، ثم يترضَّى عنه، ويدعو له بما يناسبه.

- ثم يخطو خطوة عن يمينه قليلًا أيضًا ليكون أمام عمر رضي الله عنه، فيقول: "السلام عليك يا عمر". وإن زاد شيئًا مناسبًا فلا بأس، ثم يترضَّى عنه، ويدعو له.

- ولا ينبغي إطالة الوقوف والدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

- ولا يجوز لأحد أن يتقرب إلى اللَّه بمسح الحجرة، أو الطواف بها، ولا يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم قضاء حاجته، أو شفاء مريضه، ونحو ذلك؛ لأن ذلك كله لا يطلب إلا من اللَّه وحده.

4- زيارة البقيع وشهداء أحد:

وينبغي له زيارة البقيع -وهي مقبرة المدينة-؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزورهم، ويدعو لهم، ويسلم على من فيها من الصحابة والتابعين وغيرهم، ويقول: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ" (مسلم رقم: 974)، وابن ماجه (رقم: 1547) عن بريدة، واللفظ له. وما بين المعقوفين من حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم.

وإن أحب أن يخرج إلى أُحد ويزور الشهداء فيسلم عليهم ويدعو لهم، فحسن.

5- الصلاة في مسجد قباء:

يستحب لزائر المدينة أثناء وجوده بها أن يزور مسجد قباء ويصلِّي فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه راكبًا وماشيًا، ويصلي فيه ركعتين أخرجه البخاري في أبواب التطوع، باب: إتيان مسجد قباء ماشيًا وراكبًا (رقم: 1136)، ومسلم في الحج، باب: فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه وزيارته (رقم: 1399).

. وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ، فَصَلَّى فِيهِ صَلَاةً كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ". (ابن ماجه ، رقم 1412). وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (1/237).

 وقال أسيد بن ظهير الأنصاري –رضي الله عنه- يرفعه: "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ كَعُمْرَةٍ". (الترمذي رقم: 324، رقم 1411. وصححه الألباني 1/237)، و"صحيح الترمذي" (1/104).

6- مسألة شد الرحال:

لا يجوز شَدُّ الرحال والسفر من أجل زيارة القبر، فإن شَدَّ الرحال على وجه التعبد لا يكون لزيارة القبور؛ وإنما يكون للمساجد الثلاثة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى". (البخاري ، رقم 1765، ومسلم رقم: 1397).

فالبعيد عن المدينة ليس له شد الرحال بقصد زيارة القبر؛ ولكن يشرع له شد الرحال بقصد زيارة المسجد النبوي الشريف، فإذا وصله زار قبره صلى الله عليه وسلم وقبور أصحابه، فدخلت الزيارة لقبره تبعًا لزيارة مسجده عليه الصلاة والسلام؛ لما في زيارة المسجد من الثواب العظيم.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.