مشكلتي مع الشيطان كبيرة

 

بسم الله الرحمن الرحيم... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أولا:أشكر جميع القائمين على هذا الموقع،وأسأل الله العظيم أن يجعله حجة لكم،وأن يجعلكم مباركين أينما كنتم..

أما استشارتي التي أرجو الله ان يسددك ويوفقك للإجابة عليها: ولله الحمد من الله علي بدخول قسم علوم قرآن،وتفضل علي بمنه وكرمه بحفظ كتابه،ولكني بعد حفظه أجد تقصير كبير مني في مراجعته وأحاول جاهده أن أراجعه ولكني سرعان ماأفتر، ولم أجد من يعينني بعد الله ويأخذ بيدي في هذا الأمر والإستمرار معي،وأيضا أنا في خوف دائم من أن يكون حفظي للقرآن حجة لي لا علي،،لأني لا أطبقه ولا أقوم بأخلاقه،فأنا جدا عصبيه وسرعان ماتثور أعصابي،حتى بري لوالدي ليس ذاك البر بل قد يكون معدوما،مع أني والله دائما أدعو الله أن يرزقني برهما وأن يجعلني قرة عين لهما، وأن أتخلق بأخلاق القرآن،وأحيانا أجد مضايقات من إخواني إذا أخطأت أو ساءت أخلاقي ويقولون باللهجة العامية"مسويه نفسك حافظة القرآن" ولله الحمد أصلي ما تيسر من قيام الليل ولكني كما أخبرتك مشكلتي في ضيق أخلاقي،وأخاف أن أكون ممن يأتي بأعمال مثل الجبال فتكون هباء منثورا لسوء أخلاقي وأعلم أننا ندخل الجنة برحمته ولكن الأعمال سبب لرحمته..فماذا أفعل؟؟ وأخاف أيضا من قضية الرياء،،سواء عند نصحي لأحد ما،أو عند أي عمل خير أريد فعله.. وأريد أن أستفسر عن قضية تشغلني وهي: إذا كنت أحب أن أرى أثر ما أفعله للناس سواء كانت نصيحة أو مساعده،كتغيير في الحال للأفضل أو غير ذلك،وليس قصدي أني أحب أن أسمع المدح بالعكس فهذا يزعجني جدا فهل هذا يدخل في الرياء؟؟ أيضا أنا الآن متخرجة من الجامعة بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وكطبعي بشر أبحث عن وظيفة وأعلم يقينا أن الأرزاق بيدي الرازق الواهب المالك سبحانه وتعالى ولكن تكمن مشكلتي في أنني عندما أتقدم لأي وظيفة يأتيني الشيطان ويجعلني أتعلق بدرجتي التي حصلت عليها بفضل الله وكأني أتوكل عليها مع الرغم والله أني أجاهد نفسي أن لا أصغي للشيطان وأن أعلق قلبي بالله تعالى فمشكلتي مع الشيطان كبيره جدا وأتعبني جدا وضاقت بي الأرض بما رحبت وأخاف على قلبي منه وعلى توحيدي وديني وأن يزعزع ثقتي بالله تعالى وينقص من إيماني به فكيف أتصرف في مثل هذه الحالة؟وكيف أسكت الشيطان وأتغلب عليه لعنه الله؟؟.. وأخيرا أعتذر على الإطالة،وأسأل الله أن يسعني صدرك.. وجزاك الله عني كل خير.. دمت في حفظ الله ورعايته..

المجيب / مي عباس

"بسم الله الرحمن الرحيم"

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد...

أيتها الأخت المباركة زادك الله توفيقا ورشادا، وثبت على طريق الخير خطاك..

الأمور التي ذكرتها في رسالتك الطيبة تعبر عن حال المؤمن اليقظ الذي يسعى لجهاد نفسه وشيطانه، وإصلاح قلبه ونيته، وإحسان عمله.

وتتلخص الأمور التي تؤرقك في النقاط الأربع التالية:

·      أولاً: مراجعة كتاب الله الكريم، والحرص على عدم تفلته:

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من الإبل في عُقْلِها "([1]).

وإذا كان الله قد يسر القرآن للذكر بفضله وكرمه، فإن تفلت القرآن هو نعمة عظيمة أيضا، لأنه يجعل المرء متعاهدا للقراءة والمراجعة، فيظل متصلا بالنور المبين.

وهناك العديد من الطرق التي تستطيعين بها بإذن الله وتوفيقه أن تتعاهدي القرآن بالمراجعة، ولكن الأصل في هذا هو "المداومة"، وأدعوك لأن تجعلي قاعدتك في مراجعة القرآن بل وسائر الطاعات، ما أرشدنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"([2]). فالمداومة هي التي تؤسس للاستقامة، وتعين على الثبات.

لذا فعليك أن تخصصي وقتا يوميا لمراجعة حفظك وأن يكون هذا الوقت محددا وثابتا ولا تتخلفي عنه قدر المستطاع، حتى وإن كان وقتا قليلا.

-        ومن أعظم الطرق للمراجعة وحفظ القرآن في الصدر هو قراءته في الصلاة، وبخاصة قيام الليل، وأن تنوعي في قراءتك أثناء الصلاة، ولا تقصريها على سور معينة.

-        ومن أهم الأمور لخاتم القرآن وأكثر بركة وتثبيتا أن يُعلم القرآن حتى يحقق ركني الخيرية، فقد قال صلى الله عليه وسلم "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"([3]).

وها أنت أيتها الأخت الكريمة قد تعلمت القرآن وأعانك الله تعالى حتى وصلت إلى درجة الامتياز في علوم القرآن، فحق عليك أن تبادري إلى تعليم كتاب الله، وابدأي بالمقربين والجيران، لتكوني ممن قال الله فيهم {... وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ... }الأنعام (122)).

-        وعليك أن تجددي نيتك أثناء المراجعة فلا تصبح عملا روتينيا، بل استحضري عظيم الأجر عند الله، وشرف الذاكر له سبحانه.

· ثانياً: أخلاق القرآن.

ينبغي لحامل القرآن أن يكون حريصا على التأدب بآدابه والتخلق بأخلاقه أكثر من غيره، ولكن تعاهد القرآن وتدبره وحفظه هي نفسها من أعظم الأمور التي تهذب المرء وتنزل عليه السكينة وتقومه.

وبالنسبة للعصبية فإن الله تعالى قال:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا...}(العنكبوت من الآية (69)) ، وهذه الآية ترسخ داخلنا حقيقة أن العادات قابلة للتغيير، بل إن الصفات والطبائع لا يتسحيل إصلاحها وتحويلها إذا جاهد المرء نفسه مستعينا برب العالمين.

إنه جهاد مبارك أيتها الأخت الكريمة أن تتدربي على كظم الغيظ والعفو عن الناس، والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في الرفق والحلم، وقبل التدرب السلوكي يجب أن تتغير التصورات، فالمبتلى بالعصبية وسرعة الغضب غالبا ما تكون لديه قناعة بأن هذه هي خير وسيلة لحماية الذات والدفاع عنها، وأن العصبية هي أقصر طريق وأسهله لمواجهة أخطاء الغير.

والعلاج يبدأ بزعزعة هذه القناعات والتشكيك فيها، وخير ما تستعيني به لتحقيق ذلك هو تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديثه، فإنه ما غضب لنفسه قط، وقال لمن أوصاه " لا تغضب "([4]) ثلاث مرات.

وصحح لنا مفهوم القوة والشجاعة : " ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" ([5]).

كما أنه أخبرنا أن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وفي هذا دلالة قاطعة على أن ثمرة الرفق على المدى القريب والبعيد أفضل وأدوم.

-        وأحب أن أنوه على نقطة هامة فيما يتعلق من خوف حامل القرآن أن يكون حجة عليه لا له، وما ذكرته من القلق بخصوص سوء الخلق وعدم القيام بحق الأبوين والخوف من الرياء، فمما لا شك فيه أن هذا التفكير مطلوب فالمؤمن وجل.

ولكن كيد الشيطان وحيله مع حامل القرآن لا تقتصر على دفعه للرياء أو التقصير في الأوامر، بل إن يسعى للزج به في دائرة الوسواس، والمبالغة في تقدير الأمور والحكم عليها، وهدفه النهائي هو تصعيب طريق الطاعة، وربط الحفظ والعلم والدعوة بالألم الذي لا دواء له.

لذا ينبغي التفريق بين مراجعة النية .. والوسوسة فيها، وبين الوجل الذي يمنع من العجب ويجعل المرء متعلقا بالله راجيا رحمته، وبين التشكك المستمر في العمل والتنقيب داخل الأفكار.

فالله أمرنا بإخلاص العبادة والنية له، ولكنه جل وعلا لا يأمرنا بالمستحيل { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا... }(البقرة 286))، فالإخلاص أمر مقدور، ولكن الشيطان قد يدخل إلى الصالحين من باب التشكيك الدائم في إخلاصهم حتى يقعدهم عن العمل، كما يسعى لتضخيم المعايب والذنوب في عيونهم تحت ستار الخوف من الله ومراقبة النفس ولكن دون تذكر لسعة مغفرته تعالى، وأنه أمرنا بإتباع السيئة الحسنة.

إن العمل الصالح هو الطريق لتكفير الذنوب، وهو الطريق لإصلاح النية، فالقاعد دون عمل سوى التفكير في نيته والتنقيب عن صحة إخلاصه قد وقع في فخ الشيطان، ولكن المسارع في رضوان الله، والذي يجعل من قضية الإخلاص عملا إيجابيا لا سلبيا هو الذي أُلْهِمَ الصواب.

·      ثالثاً: ثمرة الدعوة.

من الطبيعي أن يحب المسلم أن يرى ثمرة دعوته ونصيحته، حبا لله، ورغبة في الخير، وحرصا على الناس.. هذا هو شأن الأنبياء والصالحين.

ولكن القرآن يذكرنا أن الهداية هي من عند الله، وأن هداية الرسل وأتباعهم هي هداية إرشاد أما هداية التوفيق فهي بيد الله وحده.

فينبغي عليك وعلى كل داعية وناصح لله، أن يجتهد في عمله مع تذكر أمرين:

1-أن الهداية بيد الله.

قال تعالى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ... }(القصص من الآية (56)).

وقال:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا...}(يونس من الآية (99)).

2-أن الأجر التام لا علاقة له بالنتيجة، فإذا بذل المرء وسعه في الدعوة والنصح مبتغيا وجه الله، فإن النتائج لا تضره.

·      رابعاً: حسن التوكل على الله.

انظري إلى درجتك الجامعية على أنها سبب، وتيقني أن الرزق والتوفيق بيد الله رب الأسباب، وأكثري من قول : اللهم إني أبرأ من حولي وقوتي إلى حولك وقوتك.

وعندما تذكرك نفسك بدرجة الامتياز وأنها ستكون عاملا مهما في الحصول على الوظيفة، فوجهي تفكيرك إلى رغبتك في أن تستغلي علمك وتفوقك في النفع والإصلاح، كما قال يوسف عليه السلام:{... اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }(يوسف من الآية (55)).

والله أسأل أن يلهمك رشدك، ويبارك فيك، ويحسن لك رزقا.

 

 


[1] . رواه البخاري (5033).

[2] . جزء من حديث متفق عليه أخرجه البخاري (6464) ومسلم (783) واللفظ له, من حديث أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

[3] . أخرجه البخاري (5027) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.

[4] . أخرجه البخاري (6116) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[5] . متفق عليه أخرجه البخاري (6114) ومسلم (2608) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.