كيفية إعداد الخطبة أو الدرس

 قبل البَدْء بإعداد الخطبة لا بدَّ للداعية أن يدرك المسؤولية التي تقع على عاتقه في زمَنٍ كثُرَتْ فيه الفتنُ والمخالفاتُ الشرعية، فيختار مواضيعَ يحتاجها المجتمع، تمسُّهم وتُفيدهم، فمثلًا إذا كان يُوجِّه خطابه لمجموعة المعلمين، فليس من المناسب أن يخطب عن آداب وأحكام التجارة في الشرع.

فإذا تفشَّتْ معصيةٌ في مكان مُعيَّن، فلا بُدَّ من أن يحارب هذه المعصية أوَّلًا، بدلًا من التركيز على الحديث عن معصية أخرى غير منتشرة، وهكذا؛ إذًا لا بُدَّ من اختيار موضوع أو فكرة تمسُّ بالفعل مَنْ يُوجَّه إليهم الخطاب.
أيضًا لا بُدَّ من التأكُّد من صحَّة كل معلومة وحديث يقوله الداعية أو يكتبُه، خصوصًا لو كان الكلام موجَّهًا للعامَّة غير الدارسين للعُلُوم الشرعيَّة، ولا قدرة لديهم على التمييز بين الصواب والخطأ، وسيعتبرون ما يسمعونه كلامًا صحيحًا مُسلَّمًا به.
وقد تكون هناك معلومة مشهورة لكن مبنية على حديث ضعيف، وهكذا، فلا بُدَّ من التأكُّد من كل حرف يقوله أو يكتبه الداعية؛ حتى لا يحمل وِزْرَ كلِّ مَنْ يعمل بما يقوله، وهذا يكون باختيار مصادر موثوقة لجَمْع المادة العلمية، فلا يأتي بمعلومة من مصدر مجهول، أو من رسالة وصلته عن طريق وسائل التواصُل دون الوثوق بمصدر المعلومة أو التأكُّد من صحَّتِها.
ولا يعتمد الداعية على عقله فقط؛ ذكر ابن عبدالبر عن أحد السلف قوله: مَن أُعْجِب برأيه ضلَّ، ومَن استغنى بعقله زلَّ.
خطوات كتابة الخطبة:
1/لاستعداد النفسي والبدني، وتفريغ الذهن، وتوحيد الهَمِّ، والتركيز فيما سيُلقيه على عباد الله المسلمين.
2/اختيار الموضوع المناسب الذي يهمُّ المسلمين، ويحتاجون إليه بمشورة الإخوة والناصحين العالمين بواقع أُمَّتِهم.
3/جَمْع الآيات في هذا الموضوع، ومراجعة تفسيرها من التفاسير المعتمَدة عند أهل السنة؛ كتفسير الطبري، وابن كثير - رحمهما الله تعالى - وغيرهما، والرجوع إلى ما يحتاجه من تفاسير الأحكام، والمعاني مع الاحتراز مما يخالف اعتقاد الصَّدْر الأوَّل، والقرون الثلاثة المفضَّلة؛ وهو أمرٌ لازم
4/جَمْع الأحاديث في الموضوع، وتخريجها تخريجًا مُخْتَصَرًا، ومعرفة الصحيح من الضعيف؛ المقبول منها والمردود، فلا يُلقي على المسلمين إلَّا الأحاديث المقبولة.
5/جَمْع الآثار السلفيَّة، والعبارات الذهبية، والانتقاء من أطايب كلامهم، كما يُنتقى أطايبُ الثَّمَر.
6/جَمْع الأمثلة والمواقف العملية والنماذج الحية التي تترجم الموضوع ترجمةً حيةً؛ ليرتبط العلم بالعمل؛ فَهُما - العلم والعمل - وجهان لعملة واحدة، ولا ينفصلان ألبتة.
7/وعليه أن يحرص على الإفادة من مراكز المعلومات، والموسوعات العلمية؛ المطبوعة والإلكترونية، فهي توفِّر الجهد والوقت، وتساعد الخطيب على جَمْعِ مادة علميَّة متنوِّعة ومتميِّزة.
8/القَصَص النافع الهادف الذي يزيد الموضوع وضوحًا وترجمةً، ويُسلي القوم مع الإفادة منه؛ ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111].
9/التعريف بالوسائل المعينة، والترغيب فيها، والحث عليها.
10/التعريف بالمعوقات، والترهيب منها، والحث على اجتنابها.
11/إن كان يتحدث عن مشكلة ما، فلا بد أن يُبَيِّنَ مظاهرها في الواقع، وأن يذكر أسبابها، وأن يعرضَ الحلَّ المناسب، ويُفَصِّل فيه بطريقة عملية مناسبة؛ فهو المقصود.
12/مراجعة القواميس العربية؛ كـ"لسان العرب"، و"القاموس المحيط"، و"مختار الصحاح"، و"المعجم الوسيط".
13/لا بدَّ من توثيق كل معلومة، ونسبة كل قول إلى قائله قَدْرَ المستطاع.
14/إجمال الخطبة في كلمات معدودة، وتلخيص ما تحدَّث عنه؛ ليحفظه السامع ويتذكَّره؛ فمن البلاغة ردُّ العَجُزِ على الصَّدْر.
وبالنسبة للدرس فقد يكون مسموعًا، وهنا فإن طريقة الإلقاء مهمة جدًّا في توصيل الكلام للسامع، وتتطلَّب تفاعُلًا صادِقًا لجسم المتحدِّث وعقله مع ما يقول؛ جسمه، وصوته، وعينيه، وقسمات وجهه، وعليه توجيه كِيانه وحضوره كله إلى مهمَّة الاتصال مع جمهور المستمعين، وهذا يتطلَّب مُراعاة بعض الأمور منها:
1/وَضْع الجسم:
لا تقف مُتجمِّدًا في مكان واحد، ولكن حرِّك يديك وجسمك بإيماءات مناسبة للكلام، ويمكن أن تتدرَّب قبلها أمام مرآة بحيث تكون الإيماءات مُعبِّرة، وليست مجرد حركات عشوائية مُتنافرة مع الكلام.
2/الاتِّصال البصري:
من المهم توزيع النظرات على جميع الحاضرين والتنقُّل من واحد إلى آخر، وتجنَّب النظر في الفراغ أو التركيز على نقطة واحدة أو مجموعة معينة فقط، أشعِرْهم أنك تتكلَّم مع كل شخص فيهم، أو على الأقل إلى كل منطقة تجمع عددًا منهم، وعليك إدراك أحوال السامعين أثناء الحديث، هل هم مُقبِلون عليك، فتسترسل في الحديث، أم معرضون عنك فتتَّجه إلى ناحية أخرى، ومن المهم أيضًا ملاطفة الجُلَساء حتى لا يشعروا بالسأم، ولا يدخلهم الفتور.
وهذه بعض النصائح التي من المفترض مراعاتها أيضًا في الدرس:
الابتعاد عن اختيار كلمات صعبة لا يفهمها الحضور.
أن تكون الأسئلة التي تطرح يمكن إجابتها من الجمهور.
الابتعاد عن الحركات الكثيرة، وحُسْنُ المظهر.
الإيجاز في الإجابة وعدم التعجُّل فيها.
الاستعداد للأسئلة المفاجئة.
قولك لا أعلم ليس عيبًا، ولا انتقاصًا منك، ويمكنك بكل بساطة أن تُخبرهم بأنك ستبحث عن الإجابة، ثم تُجيب عن السؤال.
عن الهيثم بن جميل: شَهِدْتُ مالِكًا سُئل عن ثمانٍ وأربعين مسألةً، فقال في ثنتين وثلاثين منها لا أدري.
الخاتمة:
ما أعظم رسالةَ الإسلام! وما أجملَ حياةَ مَنْ عاشَ في كنفها! وما أشقى حياةَ مَنْ أعرضَ عنها! وللداعية دورٌ عظيمٌ في إيصال كلِّ هذه المعاني للناس، وحتى يستطيع أن يوصلها للناس لا بُدَّ من منهج علمي عملي صحيح يسير عليه.
اللهم وفِّق العاملين المخلصين في حَقْل الدعوة الإسلامية لإنجاحها وتبليغها للناس.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.