حكم الانفراد خلف الصف للضرر

 إذا كان المصلي يتضرر من المراوح والمكيفات التي تكون في المسجد، ولم يجد مسجدا قريبا خاليا من ذلك، أو مكانا في المسجد يصلي فيه مع غيره خاليا من ذلك؛ فالذي يظهر لنا، إن شاء الله: أن ذلك عذر معتبر، يبيح له الصلاة منفردا خلف الصف ، بعيدا عما يؤذيه من المراوح ، أو المكيفات، أو نحوها.

ووجه ذلك: المصافة في صلاة الجماعة، وإن كانت واجبة، على القول الراجح ، ولا يجوز تركها في صلاة الجماعة ، والانفرد عن الصف ؛ فإن واجبات الصلاة تسقط بالعذر، بغيرها من الواجبات؛ وقد قال الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) [التغابن/16].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)رواه البخاري (7288) ومسلم (1337).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وأما المرأة: فإنها تقف وحدها، إذا لم يكن هناك امرأة غيرها، فالسنة في حقها الاصطفاف.
لكن قضية المرأة ... تدل على أنه إذا لم يجد خلف الصف من يقوم معه، وتعذر الدخول في الصف: صلى وحده، للحاجة.
وهذا هو القياس؛ فإن الواجبات تسقط للحاجة، وأمره بأن يصاف غيره من الواجبات، فإذا تعذر ذلك سقط للحاجة؛ كما سقط غير ذلك من فرائض الصلاة للحاجة في مثل صلاة الخوف، محافظة على الجماعة.
وطرد ذلك: [أنه] إذا لم يمكنه أن يصلي مع الجماعة، إلا قدام الإمام؛ فإنه يصلي هنا لأجل الحاجة أمامه، وهو قول طوائف من أهل العلم، وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد، وإن كانوا لا يجوزون التقدم، على الإمام إذا أمكن ترك التقدم عليه.
وفي الجملة: فليست المصافة أوجب من غيرها؛ فإذا سقط غيرها للعذر في الجماعة، فهي أولى بالسقوط.
ومن الأصول الكلية: أن المعجوز عنه في الشرع ساقط الوجوب، وأن المضطر إليه بلا معصية: غير محظور؛ فلم يوجب الله ما يعجز عنه العبد، ولم يحرم ما يضطر إليه العبد." انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/559-560).
ونقل ذلك عن شيخ الإسلام وقرره تلميذه ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/226).
ومثل ذلك يقال في المقاربة بين الصف الذي تقف فيه، والصف المقدم الذي فيه جماعة المصلين، فإن لك أن تتباعد عن سبب الأذى، ما دمت داخل المسجد، وإن فاتك المصافة على ما سبق، وإن ابتعدت عن القدر المشروع بين الصف والذي يليه؛ فإن ذلك كله إنما يشرع، وجوبا، أو استحبابا: لمن قدر عليه؛ وأما من عجز عنه فهو معذور، على ما سبق تقريره.
على أنه إذا أمكن أن يصلي معك من يزول به انفرادك خلف الصف، فهو أحسن، وأفضل، خروجا من خلاف من منع من ذلك، مطلقا، من أهل العلم.
وإذا كان في المسجد الذي تصلي فيه صف مؤخر، يصلي فيه أهل الأعذار على الكراسي، كما يوجد في مساجد بعض البلدان؛ فهذا الصف، وإن كان لا نقول به، ولا نرى أن يجلس هؤلاء في مؤخر الصف، بل يصفون على حالهم مع جماعة المصلين؛ لكن إن وجدت أنت هذا الصف قائما، فصف معهم، وصل بجانبهم، إن كان مكانهم بعيدا عن المكيفات والمراوح، ولا يظهر لنا أنك تعذر بالصلاة وحدك، إن وجد مثل هذا الصف.
جاء "اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله"، للبعلي (108):
" وتصح صلاة الفذ لعذر ، وقاله الحنفية.
وإذا لم يجد إلا موقفا خلف الصف: فالأفضل أن يقف وحده ولا يجذب من يصافه، لما في الجذب من التصرف في المجذوب.
فإن كان المجذوب يطيعه؛ فأيهما أفضل له وللمجذوب: الاصطفاف، مع بقاء فرجة، أو وقوف المتأخر وحده؟
وكذلك لو حضر اثنان، وفي الصف فرجة؛ فأيهما أفضل: وقوفهما جميعا، أو سد أحدهما الفرجة وينفرد الآخر؟
رجح أبو العباس الاصطفاف، مع بقاء الفرجة؛ لأن سد الفرجة مستحب، والاصطفاف واجب" انتهى.
وخلاصة ما سبق :
أنه إذا كان لك عذر يمنعك من الوقوف مع المصلين في الصف، فلا حرج عليك في أن تقف خلف الصف وحدك.
فإن وجدت من يقف معك، فهو أحسن، ولو بقيت فرجة في الصف المقدم .
وإن وجدت صفا مؤخرا، في مكان لا يضرك الوقوف فيه: وجب عليك أن تصف معهم ، ولم يكن لك أن تنفرد وحدك، في مثل هذه الحال.
 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.