دور الخطيب وأهميته في المقام الخطابي

إن الخطبة لا يمكن أن تنبعث فيها عناصر القوة، وتدِبَّ في كيانها الحياة، وتتحقق منها الإفادة التامة، والتأثير المطلوب؛ إذا لم يوجد لها خطيب فصيح متمكن، تتوافر فيه مقومات الخطيب وصفاته اللازمة والمؤهلة له، كي يكون خطيبًا جيدًا، ومتحدثا لبقًا، يأسر القلوب بفصاحته، ويستميل النفوس بقوة تأثيره.

وقد نرى خطبة مناسبة ومادة علمية جيدة، وموضوعًا مهمًّا يحتاج إليه الجمهور، ولكن للأسف يقوم بعَرْض هذا كلِّه خطيبٌ هزيل المستوى، ضعيف الأسلوب، رديء الإلقاء، فيضيع الموضوع وتضيع معه الفائدة، وتنصرف أذهان الناس عن متابعته، والتفاعل معه، وينعدم الإقناع والاستمالة اللذان هما من أهم أسس الخَطابة.
وفي بعض الأحيان قد نرى نقصًا في بعض المواصفات الخاصة بالخطبة، من حيث اختيار الموضوع وترتيب العناصر ونحو هذا؛ إلا أن الخطيب يكون ذا مستوى راقٍ، وأداء جيد، وعرض حسن، وإلقاء مؤثر، فينجبر ذلك النقص، وتكون الفائدة، ولا يحس الناس مللا، ولا تشرد أذهانهم عن متابعة الخطيب.
وأنا أعرف بعض الخطباء كان يُهْرَع الناس إليه من أماكن دانية وقاصية، وتضيق الساحات والشوارع عن استيعاب الجموع الوافدة، والجمهور القادم من مسافات شاسعة، مع أن الخطبة - في كثير من الأحيان - لم تكن ذات موضوع محدد، وإنما خليط من موضوعات متفرقة وبالتالي لم تكن ذات عناصر متناسقة، ولم تكن تحتوي على مادة علميه ثرية، بل متواضعة، إلى غير ذلك من نقصان المواصفات اللازمة للخطبة الجيدة، لكن قوة أسلوبه، وفصاحته وبلاغته، وحُسنْ إلقائه وجودة عرضه، كانت قمينة بجذب الأعداد الغفيرة إلى استماعه، فقد كان بحق موهوبًا، يتمتع بالخصائص الفنية للخطيب البليغ، الماهر الجيد، الذي لا يترك ثغرة يشرد عبرها ذهن المستمع.
وكم يشكو جمهور المدعوين من أن فلانًا ممن يخطب الجمعة عالم، ويحضِّر موضوعه، ولا يستطيع أن يقدح في علمه أحد، لكنه لا يجذبنا ولا ينجح بالدرجة المطلوبة في توصيل المعلومة إلى المستمع، بعكس فلان الذي هو دونه في العلم، لكن عرضه جيد وإلقاءه جذاب، ونستفيد منه، بالرغم من أن علمه متواضع.
وهكذا نجد أهمية الخطيب، وموقعه الحساس، ودوره الخطير في العملية الخطابية.. إنه هو الذي ينفخ روح الحياة في الخطبة، ويمدها بأسباب القوة وعوامل النجاح.
ولهذا كان إعداد الخطيب حرِيًّا بالعناية والاهتمام، وهو ما جعلنا نقدِّم الحديث عنه على الحديث عن الخطبة.
وجدير بالذكر أن حديثنا عن الخطيب هنا إنما هو عن الخطيب المسلم الداعية، الذي يتوسل بالخَطابة لنشر الدعوة الإسلامية، والتمكين للإسلام في الأرض، ولشريعته بأن تسود وتحكم، ولسنا نتحدث عن الخطيب من المنظور الفني البحت، كما هو حال بعض من يكتبون في الخَطابة، بل عن الخطيب المسلم باعتباره صاحب دعوة يحيا بها، ويعيش من أجلها، ويعمل لخدمتها، ويضحي في سبيلها؛ عن هذا الخطيب نكتب، ولإيجاده نسعى، وربنا المستعان.

 

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.