حكم صلاة المأموم في مكان أرفع من الإمام كالطابق الثاني

 لا حرج في صلاة المأموم في مكان أرفع من الإمام، كالطابق الثاني.

قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/491): "(ولا بأس بعلو مأموم، ولو) كان علوه (كثيرا؛ نصًّا) [أي: نص عليه الإمام أحمد]. ولا يعيد الجمعة من يصليها فوق سطح المسجد. روى الشافعي عن أبي هريرة: أنه صلى على ظهر المسجد بصلاة الإمام، ورواه سعيد عن أنس، ولأنه يمكنه الاقتداء؛ أشبه المتساويين" انتهى.
المشروع: أن يكون المأمومون خلف الإمام، لا يتقدمون عليه، سواء كانوا معه أو في طابَق فوقه، أو طابَق تحته.
واختلف الفقهاء في صحة صلاتهم إذا تقدموا عليه، على ثلاثة أقوال:
الأول: أنها تصح مع الكراهة التنزيهية، وإليه ذهب المالكية.
قال الدردير رحمه الله في "الشرح الكبير" (1/ 331): "(و) كرهت للجماعة (صلاةٌ بين الأساطين)، أي الأعمدة، (أو) صلاةٌ (أمامَ) أي قُدّام (الإمام)، أو بمحاذاته، (بلا ضرورة) راجع للمسألتين قبله" انتهى.
قال الدسوقي في حاشيته عليه: "(قوله أو أمام الإمام)؛ أي ولو تقدم الجميع؛ لأن مخالفة الرتبة لا تفسد الصلاة، كما لو وقف عن يسار الإمام فإن صلاة المأموم لا تبطل" انتهى.
الثاني: أنها لا تصح، وإليه ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/300): "في مذاهب العلماء في تقدم موقف المأموم:
قد ذكرنا أن الصحيح من مذهبنا: أن الصلاة تبطل به، وبه قال أبو حنيفة وأحمد.
وقال مالك وإسحق وأبو ثور وداود: يجوز. هكذا حكاه أصحابنا عنهم مطلقا.
وحكاه ابن المنذر عن مالك وإسحق وأبى ثور: إذا ضاق الموضع" انتهى.
الثالث: أنها تصح مع العذر، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية.
سئل رحمه الله :" هل تجزئ الصلاة قدام الإمام، أو خلفه في المسجد، وبينهما حائل أم لا؟
فأجاب: أما صلاة المأموم قدام الإمام. ففيها ثلاثة أقوال للعلماء:
أحدها: أنها تصح مطلقا، وإن قيل إنها تكره، وهذا القول هو المشهور من مذهب مالك، والقول القديم للشافعي.
والثاني: أنها لا تصح مطلقا، كمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في المشهور من مذهبهما. والثالث: أنها تصح مع العذر، دون غيره، مثل ما إذا كان زحمة فلم يمكنه أن يصلي الجمعة أو الجنازة إلا قدام الإمام، فتكون صلاته قدام الإمام خيرا له من تركه للصلاة.
وهذا قول طائفة من العلماء، وهو قول في مذهب أحمد وغيره، وهو أعدل الأقوال وأرجحها.
وذلك لأن ترك التقدم على الإمام: غايته أن يكون واجبا من واجبات الصلاة في الجماعة، والواجبات كلها تسقط بالعذر، وإن كانت واجبة في أصل الصلاة، فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط؛ ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه من القيام والقراءة واللباس والطهارة وغير ذلك. وأما الجماعة: فإنه يجلس في الأوتار لمتابعة الإمام، ولو فعل ذلك منفردا عمدا بطلت صلاته، وإن أدركه ساجدا أو قاعدا كبر وسجد معه وقعد معه؛ لأجل المتابعة، مع أنه لا يُعتد له بذلك، ويسجد لسهو الإمام، وإن كان هو لم يسهُ.
وأيضا: ففي صلاة الخوف لا يستقبل القبلة، ويعمل العمل الكثير، ويفارق الإمام قبل السلام، ويقضي الركعة الأولى قبل سلام الإمام، وغير ذلك مما يفعله لأجل الجماعة، ولو فعله لغير عذر بطلت صلاته.
وأبلغ من ذلك أن مذهب أكثر البصريين وأكثر أهل الحديث: أن الإمام الراتب إذا صلى جالسا صلى المأمومون جلوسا؛ لأجل متابعته، فيتركون القيام الواجب لأجل المتابعة، كما استفاضت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون... والمقصود هنا: أن الجماعة تُفعل بحسب الإمكان، فإذا كان المأموم لا يمكنه الائتمام بإمامه، إلا قدامه؛ كان غاية ما في هذا أنه قد ترك الموقف لأجل الجماعة، وهذا أخف من غيره.
ومثل هذا: أنه منهي عن الصلاة خلف الصف وحده، فلو لم يجد من يصافُّه ولم يجذب أحدا يصلي معه: صلى وحده خلف الصف، ولم يَدع الجماعة" انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/ 404-406).
وعلى هذا؛ فإن صلاة المأمومين المتقدمين على الإمام في مسجدك صحيحة عند المالكية، وفي قول الشافعي القديم، وصحيحة للعذر كما ذهب إليه بعض الحنابلة وشيخ الإسلام ابن تيمية.
ومن صلى خلف الإمام فهو أولى، خروجا من الخلاف.
لكن، وبكل حال: ينبغي للمصلين أن يحترزوا؛ فلا يتقدم أحد إلى أمام الإمام، إلا عند ضيق المكان ، بحيث لا يوجد له إلا هذا الموضع .
ولو كانت صلاة الإمام في الدور الثاني، تجعله أمام المصلين جميعا؛ فليصل في الدور الثاني؛ حتى وإن كانت خطبته في الدور الأول، فلا حرج عليه في ذلك، ولا يلزم أن تكون خطبة الإمام، وصلاته بالناس: في دور واحد؛ وإنما يفعل من ذلك ما هو أصلح لأمر الصلاة، وأقوم بالمشروع فيها، قدر الإمكان.
 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.