أيها الإمام.. كن منهجيًا مربيًّا مؤثرًا عند إعداد دروسك

عبد العزيز الشامي

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

من الملاحظ أنه في رمضان من كل عام تمتلئ المساجد وتزدحم بالمصلين، وتتصل القلوب ببارئها؛ فهذا مصلٍّ، وهذا ذاكِر، وهذا معتكف، وآخر يتلو كتاب ربّه، كلهم يرجون الأجر والتخلّص من أوزار الذنوب.

وإذا أقبل الناس على المساجد في هذا الشهر الكريم، فإن نفوسهم مهيأة أمامك للبذر والغرس، فشمِّر أيها الإمام عن ساعد الجد، واغتنم موسم الحصاد، وابذر الخير، وعلّم العلم، وانشر السُّنّة، ولا تضيع موسمًا يقبل الناس فيه على العلم والمساجد والعكوف بها.

  لقد منحك الله –أيها الإمام- مكانة عظيمة بأن قدّمك لإمامة المسلمين في الصلاة، وحملك مسئولية القيام برسالة المسجد العظيمة التي هي رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وجعلك محط أنظار أهل الحي، فهل تكون مصباح هداية ورشاد؟!

 وإننا نذكّرك بأن تخلص النية لله في سائر عملك، وتحتسب أنفاسك وكلماتك، وأن تراقبه سبحانه في كل دقيق وجليل.. كما نذكرك بعظم المسئولية الملقاة على عاتقك بأن تحرص على أداء الأمانة على أكمل وجه وأتمه، واحتسب ما تبذله من جهد -قل أو كثر- عند الله عز وجل، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.

ابتعد عن الفوضوية.. وكن مؤثرًا

أمامك متسع من الوقت في رمضان خلال اليوم والليلة لاغتنامه في نشر العلم، وتعليم الخير، واعلم أنك مأجور على تفعله وتبذله، لذا كن منظمًا، واجعل لدروسك ثمرة علمية منهجية، والملاحظ أن بعض الأئمة في مساجدهم يجتهدون في إلقاء الدروس؛ إلا أنها دروس مبعثرة مفككة غير مترابطة، ربما يكون تأثيرها محدودًا غير ممتد، وقد لا تثمر الثمرة المرجوة.

لقاء الفجر

ننصحك أن تحدد لك منهجًا تسير عليه خلال الشهر الكريم، كأن تشرح  بعد صلاة الفجر بعض السور أو الآيات من القرآن، مع تدبر معانيه، والوسائل المعينة على ذلك، فتقطف من كل سورة زهرة من درر القرآن المجيد، فتتناول في موسم رمضاني بعد صلاة الفجر قصص القرآن العظيم، وفي موسم آخر تشرح أمثال القرآن، وهكذا، فيكون اللقاء مع تعلم القرآن وتدبره بعد صلاة الفجر، وخاصة مع صفاء النفوس وعدم تكدرها بأشغال الدنيا وهمومها.

 

درس العصر

يمكث كثير من المصلين بعد العصر في المسجد، وخاصة بعد انتهاء فترة الأعمال، فيكون لديك متسع من الوقت تشغله بدرس من دروس الفقه وتعلم أحكام الدين، خاصة مع انشغال كثير من الناس بالدنيا وهمومها وجهلهم في المقابل بكثير من أحكام الشرع فيما يمس حياتهم، فاجعل للأحكام الفقهية نصيبًا في لقاء العصر، ففي موسم رمضاني تناقش أحكام الصلاة مختصرة، من الوضوء حتى التسليم، وفي غيره تعالج قضايا الحياة الاقتصادية المستجدة مما يحتاجه الناس.

ولا مانع من التنويع بعد صلاة العصر، بأن تجعل يومين في الأسبوع لتعليم أحكام التلاوة وتدريب المصلين على إتقان تلاوة القرآن العظيم.

 

وفي دروس صلاة القيام موعظة للقلوب

يختص درس صلاة التراويح من بين دروس رمضان بميزة خاصة أن المصلين مرتبطون به، ويحافظون عليه أكثر من غيره، ويتابعونه عن قرب، إذ إن كثيرًا منهم لا يخرج من المسجد إلا بعد انتهاء صلاة القيام كاملة؛ رغبة في الحصول على أجر قيام ليلة كاملة، كما صح في الحديث.

ولذا اشغل وقت الراحة بين صلاة القيام بالرقائق التي تحيي القلوب، كأن تشرح في موسم رمضاني قصصًا حكاها النبي صلى الله عليه وسلم وثبتت عنه وصحت، وهي كثيرة، وللقصة تأثير عجيب على النفوس.

وفي موسم آخر أن تتناول سلسلة أعمال القلوب، وتبين للمصلين خطورة أعمال القلوب وأهميتها، ودورها في إصلاح القلب وسلامة العمل، واستقامة الجوارح.

وفي آخر تتناول سلسلة مكارم الأخلاق، مبينًا أهمية الأخلاق الكريمة في المجتمع المسلم، وكيف يمكن تفعيل مكارم الأخلاق في التعامل مع النفس ومع الآخرين.

وصايا ختامية لإمام المسجد في رمضان

1- إعمل على تهيئة المسجد قبل رمضان لاستقبال زواره، بتنظيفه وتزيينه وإضاءته من الداخل والخارج من غير إسراف، وإصلاح مرافقه وأجهزته؛ حتى يشعر الجميع فيه بالراحة والسكينة.

2- أنشر فتاوى أهل العلم في المسائل المهمة المتعلقة بأحكام الصياة والصلاة والمساجد، وخاصة الأسئلة المكررة التي يكثر السؤال عنها، وأحرص أن تكون الفتاوى لعلماء ثقات مبتعدا عن الخلاف ما أمكن مع التأكيد على أن الخروج من الخلاف أولى وأحوط للعبد في دينه.

3- حاول استضافة بعض العلماء والدعاة لإلقاء الكلمات في الأوقات المناسبة، من باب التنويع وطرد الملل والتشويق.

4- أحرص على استضافة بعض أهل العلم أو الداعيات لإلقاء دروس خاصة بالنساء، والإجابة على أسئلتهن، مع الإعلان عنها في المساجد المحيطة قبل إقامة الدرس بفترة كافية.

5- ركز على مشكلات المجتمع الذي تعيش فيه، وحاول أن تقدم الحلول المناسبة والواقعية لهذه المشكلات، مع محاولتك تكوين قاعدة إيمانية وثقافية عند المصلين، من خلال التعرض لقضايا مختلفة، ما بين الحديث في الرقائق إلى الحديث في القضايا العامة التي تهم الأمة كلها.

6- الإخلاص.. الإخلاص، فمن دونه عملك هباء، ولا تأثير له، وسينفض الناس عنك.

نسأل الله أن يرزقنا وإياك الإخلاص في الأقوال والأعمال، وأن يحسن لنا الختام.

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.