أخطاء يقع بها بعض الأئمة

إمام المسجد هو الحبل الذي يشد به عباد الله إلى بيته، سفير الإسلام إذا أم المصلين وإذا وعظهم أو خطب فيهم، وصورة الإيمان في الخارج؛ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، إن الإمام يحمل رسالة عظيمة فهو خليفة رسول الله في موقعه، وهو على ثغر من ثغور الإسلام،  لذلك يجب عليه أن يكون على قدر المسئولية، وأن يستوعب الرسالة وأن يتجنب الأخطاء التي من شأنها أن تنفر عباد الله من الدين.

هنيئًا لإمام عرف حق الله فأداه، هنيئًا لمن دعى له رسول الله فقال: "اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين"، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله "ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة - وذكر منهم - ورجلاً أمَّ قوماً وهم به راضون...".

عدم استحضار النية

النية تعني إخلاص العمل لله، وهى أساسي شرط من شروط الصلاة وأحد أركانها، لا يجوز الصلاة بدون تواجدها،  ولو كبر المصلي من دون نية الصلاة المعينة لم تنعقد صلاته.

لذلك يجب إخلاص النيه لله، لأن العمل الخالي من النية لا تترتب عليه آثاره الشرعية لقول الله - عز وجل " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ "، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".

قال الإمام النووي في المجموع شرح المهذب، وقد نقل ابن المنذر في كتابه الإشراف وكتاب الإجماع: إجماع العلماء على أن الصلاة لا تصح إلا بالنية.

الإسلام برئ من المنفرين

حذر النبي صلى الله عليه وسلم خير أئمة المساجد من كبار الصحابة من أن يكونوا فتانين أو منفرين، حيث قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين  "إنكم لمنفرين".

وتتعدد الأشكال التي ينفر بها الأئمة الجهلاء عباد الرحمن من المساجد منها التطويل في الصلاة أو التكلف في القراءة حتى إننا أصبحنا نرى الآن أئمة - إلا من رحم ربي - يخطئون الصلاة.

وقد تربص بنا أعدائنا من هذا الداء، فمن أعظم أسباب انتشار التنصير وغيره من الآفات في بلادنا بعض الأعمال والتصرفات المنفرة عن دين الله تعالى والصادة عن سبيل الله، أفعال بعض الأئمة المنفرين عن دين الإسلام بعاداتهم الباطلة وأخلاقهم السيئة وتصرفاتهم المشينة.

أولا التخفيف في الصلاة

مع أن قراءة القرآن والصلاة المفروضة من أفضل العبادات وخير نعم الله الدينية على عباده، ولكن لا يجوز أن تكون سببًا في تنفير بعض المسلمين عن عبادة الله في بيوت الله تعالى "فإن فيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة".

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال"إذا أمَّ أحدكم النَّاس فليُخَفِّف؛ فإنَّ فيهم الصَّغير والكبير والضَّعيف والمريض، فإذا صلَّى وحْدَه، فليصلِّ كيف شاء".

وفي صحيح البخاري قال النبي : "إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمة".

وقال صلى الله عليه وسلم "إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته مئنة من فقهه - أي علامة على فقهه - فأطيلوا الصلاة وقصروا الخطبة".. وهذا منطق بليغ وحكمة نبوية غفل عنها الكثيرون.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإفراط في وقت الصلاة "ومن المعلوم أن مقدار الصلاة واجبها ومستحبها لا يرجع فيه إلى غير السنة، فإن هذا من العلم الذي لم يكلِه الله ورسوله إلى آراء العباد إذ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي بالمسلمين في كل يوم خمس صلوات وكذلك خلفاؤه الراشدون الذين أمرنا بالاقتداء بهم، فيجب البحث عما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي أن يوضع فيه حكم بالرأي وإنما يكون اجتهاد الرأي فيما لم تمضِ به سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يجوز أن يعمِد إلى شيء مضت به سنة فيرد بالرأي والقياس".

وقال ابن عثيمين: "ومن الشَّفَقَة والرَّحمة بالمؤمنين: أنَّه إذا كان الإنسان إمامًا لهم، فإنَّه لا ينبغي له أن يُطِيل عليهم في الصَّلاة... والمراد بالتَّخفيف: ما وافق سُنَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو التَّخفيف، وليس المراد بالتَّخفيف ما وَافَق أهواء النَّاس" (شرح رياض الصالحين)؛ لابن عثيمين: [2/555]).

ثانيًا تكرار الآيات

خطأ شائع يقع فيه بعض الأئمة وهو تكرار الآيات مع أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه أو صحابته أو تابعيهم في القرون الثلاثة أو الأربعة المفضلة رضي الله عنهم جميعًا ولا عن ابن تيمية من المجددين في القرون الوسطى ولا عن محمد بن عبد الوهاب المجدد في القرن الثاني عشر ولا عن ابن باز المجدد في القرن الأخير رحمهم الله جميعًا تكرار آية أو جزء من آية في صلاة الفريضة.

وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تكرار آية واحدة "مرة واحدة" في صلاة الليل ما قص الله تعالى عن أخيه عيسى عليه الصلاة والسلام وعلى جميع أنبياء الله ورسله وأوليائه: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة : 118]، ومع ذلك فقد شرع المصطفى لأمته تطويل القراءة لغير الأئمة، وأمر الأئمة بالتخفيف في صلاة الفريضة حتى لا ينفروا الناس ويفتنوهم عن عبادته وبيوته.

ثالثا: التكلف في القراءة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي"، ويخطئ البعض بين التكلف في القراءة وبين عدم التغني بالقرآن، فقد قال صلى الله عليه وسلم "جملوا القرآن بأصواتكم"، وقال أيضًا "ليس منّا من لم يتغن بالقرآن".

ويقول الإمام ابن الجزري واصفًا القراءة المجودة المعتبرة "التجويد حلية التلاوة، وزينة القراءة، وهو إعطاءُ الحُرُوفِ حقوقها، وترتيبها مراتبها، وردُّ الحَرْف إلى مَخْرَجه وأصله، وإلحاقِه بنظيره، وتصحيحِ لفظه، وتلطيفِ النُطْق به على حالِ صيغته، وكمالِ هيئته، منْ غير إسراف، ولا تعسُّف، ولا إفراط ولا تكلُّف بقوله صلى الله عليه وسلم " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ القُرْءان غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءةِ ابن أُمِّ عَبْدٍ" ابن ماجه/ 135 ، يعني عبد الله بن مسعود.

قال العلامة السخاوي :

يَا مَنْ يَرُومُ تِلاَوَةَ الْقُرْآنِ ... وَ يَرُودُ شَأْوَ أَئِمَّةِ الإِتْقَانِ

لاَ تَحْسَبِ التَّجْوِيدَ مَداًّ مُفْرِطاً ... أَوْ مَدَّ مَا لاَ مَدَّ فِيهِ لِوَانِ

أَوْ أَنْ تُشَدِّدَ بَعْدَ مَدٍّ هَمْزَةً ... أَوْ أَنْ تَلُوكَ الْحَرْفَ كَالسَّكْرَانِ

أَوْ أَنْ تَفُوهَ بِهَمْزَةٍ مُتَهَوِّعاً... فَيَفِرَّ سَامِعُهَا مِنَ الْغَثَيَانِ

لِلْحَرْفِ مِيزَانٌ فَلاَ تَكُ طَاغِياً ... فِيه وَلاَ تَكُ مُخْسِرَ الْمِيزَانِ

ومن بعض صور التكلف هو التغير في ملامح الوجه، كتحديق النظر بطريقة غريبة، أو فتح عينا أو غلق أخرى أثناء القراءة، أو رفع حاجب، أو رقبة.

ومن أخطر صور التكلف الانشغال التام بالقراءة عن التدبر، والمبالغة في تحقيق الحروف والصفات مما يجعل القارئ غير خاشع في صلاته مشغولًا بالحروف غير مشغولًا بالمعاني.

أخطاء سلوكية

الإزعاج بمكبر الصوت

تجد بعض المساجد توزع مكبرات الصوت عبر المحيط الذي تتواجد فيه، غير مهتمة بالإزعاج الذي تسببه خاصة إذا كان صوت الإمام منفر أو إذا تداخل صوت مسجدين كما نرى اليوم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، من الأشياء التي تسبب ضررًا عظيمًا باسم الدين.

وقد نهى النبي عن الضرر في حديثه صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار.

وقد حذر الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله مما يفعله أئمة المساجد المحدثون من التنافس في الإزعاج بمكبرات الصوت (ولم تكن بدعة الترديد والتحزين قد انتشرت بعد)، ولم يشرع الله في الكتاب ولا في السنة (بفقه سلف الأمة) تبليغ شئ من الصلاة خارج المسجد غير الأذان.

عدم التسلح بالعلم الشرعي     

يظن البعض بأنه إذا حفظ القرآن ولبس العمة والقفطان أصبح شيخًا معمم، وغره المنظر وخدعه الشيطان، وهذه للأسف مشكلة زمن، فقد ولى زمن العلماء الذين كانوا على علم متين من العلم الشرعي.

ونجد الآن أن جهل بعض الأئمة وقلة فقههم يوقعهم ويوقع المفتونين بهم في استحسان البدعة والرغبة عن السنة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، والاستحسان بريد الابتداع السريع والدائم. ويزيد هؤلاء الفتانون المنفرون الأمر سوءًا بهذرهم سورة الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة بحيث لا يستطيع المأموم قراءة نصفها أو ربعها أو ثلثها أو ثلثيها وهي ركن من أركان الصلاة لا صلاة لمن لم يقرأ بها، فيتحمل الإمام وزره ووزر من حرمه فضل الله.

وهناك هدة أسباب دفعت النشئ إلى البعد عن العلم الشرعي، هذه الأسباب لخصها فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في:

الأمر الأول: الإخلاص لله - عز وجل - في الطلب والإنسان إذا أخلص لله في الطلب وعرف أنه يُثاب على طلبه وسيكون في الدرجة الثالثة من درجات الأمة فإن همته تنشط ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً ) النساء/69.

ثانياً: أن يُلازم زملاء يحثونه على العلم ويساعدونه على المناقشة والبحث ولا يمل من صحبتهم ما داموا يعينونه على العلم.

ثالثاً: أن يصبر نفسه بمعنى يحبسها لو أرادت أن تتفلَّت، قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: ( واصبر نفسك مع الذي يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ) الكهف/28، فليصبر؛ وإذا صبر وتعود الطلب صار الطلب سجية له، وصار اليوم الذي يفقد فيه الطلب يوماً طويلاً عليه، أما إذا أعطى نفسه العنان فلا، فالنفس أمارة بالسوء والشيطان يحثه على الكسل وعدم التعلم.

التصدر للفتاوي

وفي أخطر أركان البلاء تتصدر الفتوى، فحين يذهب العامة إلى الإمام يسألونه عن أمور الدنيا فيجيب بلا علم فيحرم ويحلل بدون تشريع.

يقول تعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم }

فلا يجوز للإمام الغير دارس للعلم الشرعي أن يتصدر للفتوى وينصب نفسه مفتيا للناس لأنه ليس من أهل العلم والذكر الذين أمر الله تعالى بسؤالهم والرجوع إليهم عند الإشكال؛ بل هو مأمور بالرجوع إلى العلماء ليستفتيهم فيما يشكل عليه، قال الله تعالى: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }[الأنبياء:7]، وقال تعالى: { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء:83].

 وقد يتسائل البعض عن إنه لو علم مسألة عن طريق أهل العلم فهل له أن ينقل لهم كلامهم في المسألة أم لا؟

هذا الموضوع فيه خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى، والأصح منعه من الفتوى مطلقا، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع شرح المهذب: (وذكر صاحب الحاوي في العامي إذا عرف حكم حادثة بناء على دليلها ثلاثة أوجه أحدها: يجوز أن يفتى به ويجوز تقليده لأنه وصل إلى علمه كوصول العالم، والثاني: يجوز إن كان دليلها كتابا أو سنة ولا يجوز إن كان غيرهما، والثالث: لا يجوز مطلقا وهو الأصح).

لأن الإمام الجاهل إذا تصدر للرد على أسئلة الناس فقد يسألونه فيما لا علم له به فيحمله تصدره على التوسع والجواب عما لا يعلم فيضل ويضل غيره ويكون تصدره للناس سببا في صرفهم عن أهل العلم المتخصصين وقد حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك فقال:" إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسُئلوا فأفتوا بغيرعلم فضلوا وأضلوا).

قال الإمام النووي رحمه الله في مقدمة المجموع: كل من لم يبلغ درجة المفتي فهو فيما يسأل عنه من الأحكام الشرعية مستفت مقلد من يفتيه). أهـ

وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع: ((قال الخطيب: ينبغي للإمام أن يتصفح أحوال المفتين, فمن صلح للفتيا أقره, ومن لا يصلح منعه, ونهاه أن يعود وتوعده بالعقوبة إن عاد, وطريق الإمام إلى معرفة من يصلح للفتوى أن يسأل علماء وقته, ويعتمد أخبار الموثوق به, ثم روى بإسناده عن مالك - رحمه الله - قال: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك، وفي رواية: ما أفتيت حتى سألت من هو أعلم مني: هل يراني موضعا لذلك؟ قال مالك: ولا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلا لشيء حتى يسأل من هو أعلم منه).أهـ

وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء: (من بلغ رتبة الاجتهاد ويشهد له بذلك عدة من الأئمة لم يسغ له أن يقلد)اهـ.

وقال الإمام الشاطبي رحمه الله في الاعتصام: (العالم إذا لم يشهد له العلماء فهو في الحكم باق على الأصل من عدم العلم حتى يشهد فيه غيره ويعلم هو من نفسه ما شهد له به)أهـ، والله أعلم.

الخاتمة

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدي الأئمة ويردهم إلى دينه ردًا جميلًا، وأن يهدي القائمين عليهم لحسن اختيارهم من خير العالمين بشرع الله الفقهاء في دينهم، وألا يخضعوا في الاختيار لهوى من بنى المسجد، أو لهوى الحركيين من حزب الإخوان المسلمين كفى الله الإسلام والمسلمين شرهم، والله ولي التوفيق.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.