إلى إمام المسجد

الإمام هو القدوة التي نسير ورائها مطمئنين آمنين، دليل نستدل به على طريق الجنة، ننظر إليه مبتسمين، ننظر في وجهه فنرى الصالحين، كلامه يشفي، ونصحه يهدي، وزجره يحي، القلوب لا تموت مادام متربص بها لإصلاحها، والدموع لا تجف من العيون.

خليفة رسول الله  يجب أن يقيد نفسه بالقرآن ويسير على خطى الإيمان، ويتسلح بترسانة العلم، ويسير بمصباح الأخلاق؛ ليهتدي به التائهون، ويسير خلفه المشتاقون، إنها صفات شاقة، ورحلة السير إلى الله بالمسلمين، فالله الله في الأمانة.

لذا عليك أخي الإمام أن تستعد لهم الدنيا ولسؤال الآخرة، فإن الله قد اصطفاك وجعلك على ثغر من ثغور الإسلام وناظر ماذا تفعل، إما أن تكون من المؤدين للأمانة _ونسأل الله أن تكون كذلك_، وإما أن تكون من الذين ضيعوها _أسأل الله أن يعافيك وأن يثبتك على الطريق.

فضل الإمامة

1- الإمامة في الصلاة ولاية شرعية ذات فضل، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله". ومعلوم أن الأقرأ أفضل، فقرنا بأقرأ يدل على أفضليتها.

2-الإمام في الصلاة يُقتدى به في الخير، ويدلّ على ذلك عموم قول الله عز وجل في وصفه لعباد الرحمن، وأنهم يقولون في دعائهم لربهم: ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ) المعنى: اجعلنا أئمة يقتدى بنا في الخير، وقيل: المعنى: اجعلنا هداة مهتدين دعاة إلى الخير. فسألوا الله أن يجعلهم أئمة التقوى يقتدي بهم أهل التقوى، قال ابن زيد كما قال لإبراهيم: ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاما ) ، وامتنّ الله - عز وجل - على من وفقه للإمامة في الدين فقال: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ ) أي لَمّا كانوا صابرين على أوامر الله - عز وجل - وترك نواهيه، والصبر على التعلم والتعليم والدعوة إلى الله، ووصلوا في إيمانهم إلى درجة اليقين - وهو العلم التام الموجب للعمل - كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله، ويدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

3- دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم للأئمة بالإرشاد، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "الإمام ضامنٌ والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين".

4- الإمامة فضلها مشهور، تولاها النبي صلّى الله عليه وسلّم بنفسه، وكذلك خلفاؤه الراشدون، وما زال يتولاها أفضل المسلمين علماً وعملاً، ولا يمنع هذا الفضل العظيم أن يكون الأذان له ثواب أكثر، لِمَا فيه من إعلان ذكر الله تعالى، ولِمَا فيه من المشقّة، ولهذا اختلف العلماء في أيهما أفضل: الأذان أم الإمامة؟ فمنهم من قال: الإمامة أفضل، لِمَا سبق من الأدلة، ومنهم من قال: الأذان أفضل، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين". ومنزلة الأمانة فوق منزلة الضمان وأعلى منه، والمدعو له بالمغفرة أفضل من المدعو له بالرشد، فالمغفرة أعلى من الإرشاد، لأن المغفرة نهاية الخير.

واختار شيخ الإسلام - رحمه الله - أن الأذان أفضل من الإمامة، وأما إمامة النبي صلّى الله عليه وسلّم وإمامة الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - فكانت متعينة عليهم، فإنها وظيفة الإمام الأعظم ولم يمكن الجمع بينها وبين الأذان فصارت الإمامة في حقهم أفضل من الأذان لخصوص أحوالهم، وإن كان لأكثر الناس الأذان أفضل.

5- عظم شأن الإمامة وخطره على من استهان بأمرها ظاهر في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "يصلون لكم فإن أصابوا فلكم [ولهم] وإن أخطأوا فلكم وعليهم. والمعنى: "يصلون" أي الأئمة "لكم" أي لأجلكم، "فإن أصابوا" في الأركان والشروط، والواجبات، والسنن "فلكم" ثواب صلاتكم، "ولهم" ثواب صلاتهم، "وإن أخطأوا" أي ارتكبوا الخطيئة في صلاتهم، ككونهم محدثين "فلكم"، ثوابها، "وعليهم" عقابهاوعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم – يقول : "مَن أمّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم ، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم".

شروط الإمامة

أولها حفظ القرآن الكريم، وثانيها العلم بالأحاديث النبوية الشريفة، أما ثالثها العلم بالأحكام الشرعية، ليستطيع من خلال معرفته بالأحكام الشرعية أداء الصلاة وافية، وكيف يصدر منه الفعل أو القول فى الصلاة، إذا أخطا أو وقع فى السهو.

صفات الإمام

 ينبغى أن تتوافر فى الإمام عدة صفات خلقية لابد منها، أولها الصدق، عملا بقول الله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين) [التوبة: 119].

وثانيهاا الأمانة، لقول الله تعالي: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)، أيضاً عدم مخالفة فعله لقوله، وهذه قضية أساسية لابد أن يلتزم بها كل من يتصدى للإمامة أو يتقدم للإمامة فى الصلاة، فلا يعقل أن يؤم القوم وهو يقرأ فى القرآن الكريم ما يدعو الناس إلى الالتزام بمكارم الأخلاق ثم يخالف هو ما يقرأه فى صلاته، وبناء على ذلك فينبغى عليه ألا يفعل إلا كل ما هو خير، فلا يغش ولا يدلس أو يكذب فى عمله، ثم يتقدم لإمامة الناس، لأنه يخالف ما يقرأ فى القرآن الكريم، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (ثلاثة لا تقبل منهم الصلاة وعدَّ منهم من أمّ قوماً وهم له كارهون)، والناس لا تكره الإمام الذى يتقدم للصلاة إلا إذا كان سلوكه يخالف قوله.

الإمام القدوة

من أهم الصفات التى ينبغى أن يترسمها الإمام وتكون سمته الدائم أنْ يَكُونَ عَدْلًا وَرِعًا، والعدالة تقتضى ألا يرتكب كبيرة، ولم يلازم ارتكاب صغيرة من الصغائر، فكيف الحال حين نجد من يدفع نفسه للإمامة، وهو من الكاذبين أو ممن يتحايل على الناس ويغشهم، أو ممن يوقع بين الناس ويفتنهم، أو ممن يظلم الناس ويسلبهم حقوقهم. فلا يصح أبدًا للإمام الراتب أن يترك مكانه لمن لا تتوافر فيه شروط العدالة، كيف ذلك والإمام الأصل فيه أن يؤتم به ويقتدى به، فهو القدوة، وسلوكه فى حد ذاته دعوة، فالدعوة سلوك يفعل وليس مجرد كلمة تقال.

لذلك على الأئمة أن يتقوا الله حينما يتقدمون بالناس، فلابد أن يكون الإمام محبوبا، فقد اتفق الأئمة الأربعة على أنه يكره أن يؤم المسلم قوما وهم له كارهون، وذلك إذا كرهوه بمعنى أنه مذموم شرعاً بأن يعرف عنه الكذب والفسق أو أنه لا يحسن الصلاة، أو النفاق، أو التزويغ من العمل) وهذه الجزئية لا تنطبق على الإمام المعين من قبل الحاكم، فهم علماء الأزهر والأوقاف، ودرسوا علوم الشرع والدين وأصبحوا متخصصين فى هذا العمل، فهم أولى الناس بالإمامة وأحق بها.

فقه الإمامة

1- إعطاء الإمامة والصلاة حقها، والحرص على تحري السنة واتباعها في ذلك، والشعور بأداء الواجب والإخلاص في العمل.

2- الاطلاع على أحكام الإمامة والصلاة، والاستزادة منها، ومناقشة بعض الموضوعات المتعلقة بذلك بين وقت وآخر، ورصد الفتاوى وقراءتها، حبذا لو قُرئ من كتاب مخالفات في الصلاة والطهارة للشيخ: السدحان.

3- تحري السنة في المجيء للصلاة، وفي الانصراف منها، وفي الأذكار بعدها، ونحو ذلك؛ لأنه قدوة ينظر إليه.

4- التأني والتوسط في أفعال الصلاة، وتحري السنة فيها، وعدم الاستعجال المخل أو التطويل الممل.

5- المحافظة على السنن الراتبة في المسجد أو المنزل، والتأكيد على أنها حِمىً وسياج للصلاة تحمي صلاة المحافظ عليها.

آداب الإمامة

1- الحرص على المواظبة، وضرب المثل الطيب في ذلك، بحيث يعد غيابه عن المسجد أو تأخره في إقامة الصلاة على مدار العام شيئا لا يذكر.

2- عدم التخلف عن الإمامة، والحرص على المواظبة عليها.

3- الحرص على عدم التخلف في صلاتي الفجر والعصر خاصة، والابتعاد بالنفس عن مواطن سوء الظن والقيل والقال، فهي أكبر ما يقاس به الإمام من محافظة لأنه غالباً موجود في منزله.

4- عند الاضطرار للتخلف عن الإمامة لسفر أو انشغال ينبغي إنابة الكفء، وحين طروء الانشغال والإحساس بعدم القدرة على المجيء للصلاة يكون الاتصال بالمؤذن، أو غيره؛ حتى لا يطول انتظار المصلين ويصيبهم الملل والنفور.

5- الحرص على إقامة الصلاة في مواعيدها، وتثبيت ذلك، وعدم التقدم أو التأخر، وتراعى ظروف مساجد الأسواق ونحوها، أو المساجد المجاورة للمدارس.

6- تفويض المؤذن أو غيره من القادرين على الإمامة في إقامة الصلاة بعد دقيقتين أو ثلاث مثلاً من الوقت المحدد حتى لا يمل الناس الانتظار.

7- التقليل ما أمكن من الارتباطات والأسفار غير المهمة التي تؤدي إلى التخلف عن الإمامة، وإذا اضطر نوّب الكفء.

8- التحلي بالأخلاق الفاضلة وأن يكون قدوة حسنة مألوفاً بين الناس، فأكثر ما يؤثر في الناس حسن الخلق فهو الباب الذي يقرب الناس من الإمام وغيره وقد جاء في وصف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وهو أثقل شيء في الميزان تقوى الله وحسن الخلق.

9- تفقد أهل الحي سواء المحتاج منهم أو من يمر بمشاكل والمساهمة في حلها (التوظيف – إصلاح ذات البين) فلكل حي مشاكله وحاجاته فينبغي على الإمام تفقد أهل الحي سواء المحتاج والمريض والذي عليه دين بل حتى السعي مع الوجهاء والمسئولين في الحي في توظيف بعض شباب الحي والعاطلين وكذلك الحرص على السعي في حل النزاعات بين الجيران وكذلك بين الزوجين وإصلاح ذات البين ففيها عظيم الأجر وكذلك محبةً لصاحبها.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.