الدعوة إلى الله بين زملاء العمل

1- عندي أصدقائي في مكتب العمل، طوال اليوم يقومون بالكلام الفارغ والألفاظ النابية والنميمة، فكيف أتصرف بحق الله عليك؟

2- بعض أصدقائي لا يصلون الصلاة، ولا يركعونها، فكيف -بنفس هادئة- أن أدعوهم إلى الصلاة.

3 -أحد أصدقائي المذكورين رجل كبير، حج بيت الله الحرام، ويقوم بإمامتنا في الصلاة، وطوال اليوم ينم في حق الغير وبغيره من الألفاظ التي حرمها الله... هل أصلي خلفه؟ وكيف أدعوه لترك هذه المعاصي؟

 

 

يجيب عن هذا.. الأستاذ عادل هندي، فيقول:
حمدًا لله وصلاة وسلاما على سيدي وسيدك رسول الله، وبعد:

 أيها السائل الكريم، يا ابن البلدة الطيبة فلسطين -حفظها الله وحررها قريبا من دنس اليهود الظالمين-.

نشكر لك تواصلك، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعلك مبلغا لرسالة الإسلام على الحسنى, وبالحكمة المفروضة والمطلوبة. ونشكر لك حرصك على دعوة غيرك إلى الله, وخوفك على إخوانك المسلمين، وهذا من أبسط حقوق المسلمين على بعضهم البعض.

اسمح لي أخي أن أحرر سؤالك على نحو آخر، سأجيبك عن استشاراتك الثلاث على النحو التالي:

أولًا: أصدقاء يتكلمون بكلام سوء.

ثانيًا: دعوة من لا يصلي إلى الصلاة.

ثالثًا: إمام ينم بالآخرين.

أسوق إليك عدة ملحوظات في غاية الأهمية قبل أن أعرض عليك نصائحنا التي ننصحك بالأخذ بها في الدعوة بين زملاء العمل.

الملحوظة الأولى: إن الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فريضة شرعية وضرورة واقعية، وقد رأيت جزءا مما يجعلها فرضا ونجاة لسفينة المجتمع، وقد حاولت أن تكون داعية إلى الدين، وهذا واجب عليك، فاحرص على أداء مهمتك ولا تتكاسل مهما كانت الأعباء والابتلاءات والاستهزاء بك ومنك. ويلزم كل مسلم أن يكون ناصحا لغيره, ولكن بأساليب الدعوة الحكيمة التي تعلمناها من شرع الله كما سيأتي في نصائحنا الدعوية لك.

الملحوظة الثانية: الإسلام -يا أخي- ليس دينا صوريا ولا شكليا فحسب، فلا بد من طهارة الظاهر والباطن، ولا بد من إسلام الخارج والداخل، وليس أداء العبادات دليل على إسلام كامل لدى أي مسلم، بل لا بد من أثر لهذه العبادات، فكل عبادة فرضها الله علينا إنما هي خطوة على طريق تأسيس الخلق الفاضل، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصوم تقوى وخشية، والزكاة طهارة ونقاء، والحج لا رفث ولا فسوق ولا جدال، وهكذا. فمن لم يتحلَّ بالأخلاق المترتبة على العبادة فأمره موكول إلى ربه، إن شاء قبل منه أو رده.

الملحوظة الثالثة: كثر في عصر رسول الله أمثال هؤلاء الذين يفصلون بين التعبد (الصلاة والصيام) وبين المعاملات والسلوكيات، فكان توضيح النبي -صلى الله عليه وسلم- لخطورة ذلك، فسئل عن امرأة عابدة قانتة صائمة قائمة، وقال عنها: هي في النار. لماذا؟ لأنها كانت تؤذي جيرانها بلسانها. وغيرها المُقِلَّة في العبادة هي في الجنة؛ لأنها لا تؤذي جيرانها بلسانها، إذن المسألة مسألة تخلق وتعبد كامل لله، أما أن يعتبر الناس أن الإسلام في المسجد فقط أو حج فحسب، ويعتبر الدين جلباب يرتديه كلما دخل المسجد فإذا خرج قال له: هذا فراق بيني وبينك، ويسيء معاملة زوجته, والناس من حوله، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

أخلاق وقيم يجب الحذر منها: ترك الصلاة والتكاسل عنها، الكلام السوء والخبيث في حق الغير، سواء أكان من ملتزم أو غيره.

الملحوظة الرابعة: يلزمك إذا أردت أن تكون داعية, ومؤثراً, ويقبل الناس نصيحتك، ويأخذون بكلماتك، الآتي:

1.    الإخلاص لله تعالى.

2.    أن تكون قدوة قبل أن تدعو.

3.    الرفق في الدعوة والتدرج معهم.

4.    الخلق الحسن في التعامل معهم.

5.    الأمر بالمعروف، بالمعروف. والنهى عن المنكر، بلا منكر.

والسؤال المطروح الآن: كيف تدعو؟ وما هي وسائلك في دعوة هؤلاء جميعا؟

والإجابة تأتيك على النحو التالي، (ولكن بعد أن تصلي على رسول الله سيد الدعاة العاملين والمخلصين):

أما الذين يتكاسلون عن الصلاة فعليك بالآتي معهم:

1.    ذكِّرهم بنعم الله عليهم، وأنه هو الذي أعطاهم أعضاء جسمهم ليطوعوها له بدلا من أن يسلبها منهم .

2.    ذكِّرهم بحال الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع الصلاة، وقد جُعلت قرة عينه في الصلاة.

3.    ذكِّرهم بأن الإنسان إذا أعطى الله حقه، فسيعطيه الله أكثر من حقه، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.

4.  استعن بشريط إسلامي, أو كتيب صغير, أو هدية رفيقة رقيقة تعينهم على الصلاة.

5. ما المانع أن تستعين بمدير العمل إذا كان ملتزماً, ويحب الخير في أن ينصح هو بنفسه الناس بالصلاة, ويوفر لهم الفرصة لأداء الصلاة.

6. ما المانع أن تقترح جلب محاضر يخاطب كل العمال والموظفين بقيمة الصلاة وأثرها.

7. يمكنك لصق ملصق في غرفة العمل عن حكم الصلاة (آية تعبر عن ذلك) أو  (حديث يرغب في الثواب).

8.  صل أمامهم ولا تقدم عملا مهما كان على الصلاة.

9.   من صلى يوما كافِئه وقدم له هدية.

10.   استخدم أسلوب الدعوة الفردية ولا تستخدم الدعوة الجماعية الآن.

وأما الذين يتكلمون بالسوء فعليك معهم بالآتي:

1. ذكِّرهم بأن اللسان نعمة (كل أولائك كان عنه مسؤولا) يلزم استخدامها في الطاعة لا في المعصية.

2.  استعن بقصص لأناس كانوا يتكلمون في حق الناس (كما تدين تدان) وقد يصاب في عِرضه وهو لا يدري بسبب الكلام على الناس، (أكد على هذه كثيرا من باب الخوف والشفقة، فهي تخيف الناس).

3. أبلغهم أن الإنسان لا ينفعه صاحبه الذي يجلس معه ويأتي معه في سيرة الناس بالسوء، بل سيتركه، والكل سيؤتى به أمام الله (وقفوهم إنهم مسؤولون).

4. يوم القيامة سيؤخذ من حسنات الظالم وتطرح للمظلوم، وقد تفنى الحسنات ويهلك الإنسان، وهذا هو القصاص يوم القيامة، ولن يكون بالدينار والدرهم بل بالحسنات والسيئات.

5.  عليك بلصق ملصق يرهِّب من الحديث في أعراض الناس.

6. بعد العودة من العمل أرسل إلى أي واحد منهم رسالة واحدة على المحمول وقل له فيها: (إنك تحبه، وتخاف عليه، فلا يتكلم في عرض الآخرين، وليحذر من انتقام الله في الدنيا) وأعلِ جوانب الخير عنده، والإيجابية لديه، وقل له إنك إنسان طيب وخلوق والناس تحبك، فلا تجعل الكثيرين يندمون من الحديث إليك. وجنِّده بعد ذلك لدعوة الآخرين، وحاول أن تركز على قائدهم إن وجدت فيه خيرا.

وأما هذا الذي يفصل بين العبادة والخلق فعليك بالآتي معه:

هناك وسائل دعوية ومهارية يمكنك جذبه إليك حتى يسمع منك إذا نصحته:

1.  أبلغه بينك وبينه، وبدون أن تجرح كرامته، فهو إمام ويصلي بكم، فلا توقظ الصنم الذي بداخله وإلا انقلب إلى عكس ما تريد وأكثر، وقبل أن تنصحه وطِّد العلاقة معه عن طريق استشارته في مسألة دينية (.....) أشعره فيها أنه مهم لديك، ثم أبلغه بعد ذلك بأنه قدوة، وأنه ينظر إليه على أنه مبلغ عن الله.

2.  أهدِ له هدية جميلة طيبة يحبها ويرغب فيها، استعن بشريط في الأخلاق والوفاء وغير ذلك، أو كتيب صغير يتكلم عن مثل ذلك.

3.  لا تكشر في وجهه ولا تتأفف منه، وتبسم فالبسمة صدقة.

4.  ناده بأحب الأسماء إليه، ورغِّبه في الثواب العظيم عن أرشد الناس إلى الخير.

5.  اطلب منه أن يلقي محاضرة للناس عن الخلق الحسن وأخلاق الرسول، ووضح له أن هناك زملاء معكم في العمل يخوضون في أعراض الناس ويتكلمون في حقوقهم، فاطلب منه أن ينصحهم وأن يكون سببا في الخير، ومن ثم فإنك ستكون وجهت له رسالة عظيمة من طرف خفي.

وفي الختام:

أسأل الله أن يوفقك، وأن يحفظك، وأن يستخدمك لدعوته، وأن ينفع بك أينما حللت.

 

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.