عاشوراء فضائل وأحكام...

لقد جعل الله فاتحة العام شهرًا مباركًا تشرع فيه الطاعة والعبادة، وكأنه يعلم عباده أن يستفتحوا كل أمر بطاعته وتقواه.

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) [مسلم:1163].
فهذا الحديث صريح الدلالة على تفضيل الصوم في هذا الشهر المحرم، غير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم من شعبان أكثر مما يصوم من المحرم، وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة منها:
1- أنه عليه الصلاة والسلام لم يعلم بفضله إلا متأخرًا ويشهد لذلك قوله: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) ثم لم يدرك عاشوراء القابل.
2- أنه كانت تعرض له فيه الأسفار والأشغال.
3- أن المقصود بالفضل في المحرم الفضل المطلق، فأفضل الصيام المطلق صيام المحرم، وأما صوم شعبان فهو متصل برمضان، فهو منه كالراتبة من الفريضة وكذلك شوال، ومعلوم أن الرواتب أعظم قدرا من النافلة المطلقة. [لطائف المعارف: ص82].
من أسماء شهر المحرم:
وكانوا يسمون شهر المحرم شهر الله الأصم لشدة تحريمه. [لطائف:83]. قال أبو عثمان النهدي: كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأول من المحرم. [لطائف:84]. وقال قتادة: إن الفجر الذي أقسم الله به في أول سورة الفجر هو فجر أول يوم من المحرم تنفجر منه السَنة. [فتح القدير:5/429].
• ومما اختص به شهر الله المحرم يومه العاشر وهو يوم عاشوراء.
وهذا اليوم يوم مبارك معظم منذ القدم.
فاليهود أتباع موسى - عليه السلام - كانوا يعظمون يوم عاشوراء ويصومونه ويتخذونه عيدًا لهم، ويلبسون فيه نساءهم حليهم واللباس الحسن الجميل،، وسر ذلك- عندهم - أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى - عليه السلام - من فرعون.
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. [البخاري ح 2004 ومسلم ح 1130].
وكذلك النصارى كان لهم حظ من تعظيم هذا اليوم، والظاهر أنهم في هذا تبع لليهود، إذ أن كثيرًا من شريعة موسى - عليه السلام - لم ينسخ بشريعة عيسى بدليل قوله تعالى: ﴿ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾ [آل عمران: 50]. وتأمل كيف قال: بعض إشعارًا بأن الكثير من الشرائع ظل كما هو عند موسى - عليه السلام -، قال ابن القيم رحمه الله: (ولا ريب أن بني إسرائيل هم أولو العلم الأول والكتاب الذي قال الله فيه: ﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِى الاْلْوَاحِ مِن كُلّ شَىْء مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لّكُلّ شَىْء ﴾ [الأعراف:145]. ولهذا كانت أمة موسى أوسع علومًا ومعرفة من أمة المسيح، ولهذا لا تتم شريعة المسيح إلا بالتوراة وأحكامها، فإن المسيح - عليه السلام - وأمته محالون في الأحكام عليها، والإنجيل كأنه مكمل لها متمم لمحاسنها، والقرآن جامع لمحاسن الكتابين) [جلاء الأفهام:103].
وحتى قريش فإنها على وثنيتها وعبادتها الأصنام كانت تصوم يوم عاشوراء وتعظمه! تقول عائشة - رضي الله عنها -: (كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله يصومه في الجاهلية) [البخاري ح 2002 ومسلم ح 1129].
وأما سر صيامهم هذا، فلعله مما ورثوه من الشرع السالف، وقد روى الباغندي عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال: (أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم، فقيل: صوموا عاشوراء يكفر ذلك).
عاشوراء في الإسلام:
حين جاء الإسلام، وهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ورأى اليهود يصومون هذا اليوم فرحًا بنجاة موسى قال: ((أنا أحق بموسى منكم)) فصامه وأمر بصيامه. [متفق عليه]. وكان ذلك في أول السنة الثانية، فكان صيامه واجبًا فلما فرض رمضان فوض الأمر في صومه إلى التطوع، وإذا علمنا أن صوم رمضان في السنة الثانية للهجرة تبين لنا أن الأمر بصوم عاشوراء وجوبًا لم يقع إلا في عام واحد، تقول عائشة - رضي الله عنها -: (فلما قدم - صلى الله عليه وسلم - المدينة صامه - أي عاشوراء - وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه) [البخاري].
فضائل يوم عاشوراء:
1) صيامه يكفر السنة الماضية: ففي صحيح مسلم أن رجلا سأل رسول الله عن صيام عاشوراء فقال: ((أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)). تحري الرسول - صلى الله عليه وسلم - صيام هذا اليوم: روى ابن عباس قال: (ما رأيت النبي يتحرى صوم يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء) [البخاري]. وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء)) [رواه الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات].
2) وقوع هذا اليوم في شهر الله المحرم الذي يسن صيامه: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الصيام بعد صيام رمضان شهر الله المحرم)) ا[لترمذي وقال: حديث حسن].
وقد كان الصحابة - رضي الله عنه -م يصومون فيه صبيانهم تعويدًا لهم على الفضل فعن الربيع بنت معوذ قالت أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: ((من أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائمًا فليصم)) قالت: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. [البخاري]. وكان بعض السلف يصومون يوم عاشوراء في السفر، ومنهم ابن عباس وأبو إسحاق السبيعي والزهري، وكان الزهري يقول: رمضان له عدة من أيام أخر، وعاشوراء يفوت، ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر. [لطائف:121].
• والسنة في صوم هذا اليوم أن يصوم يومًا قبله أو بعده، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) [مسلم ].
وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد (2/76) أن صيام عاشوراء ثلاث مراتب:
1- صوم التاسع والعاشر والحادي عشر وهذا أكملها.
2- صوم التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث.
3- صوم العاشر وحده. ولا يكره - على الصحيح - إفراد اليوم العاشر بالصوم كما قاله ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات ص101.
بدع عاشوراء:
وأما ما ورد في بعض الأحاديث من استحباب الاختضاب والاغتسال والتوسعة على العيال في يوم عاشوراء فكل ذلك لم يصح منه شيء، قال حرب: سألت أحمد عن الحديث الذي جاء في من وسع على أهله يوم عاشوراء فلم يره شيئًا. [لطائف:125]. وقال ابن تيمية: لم يرد في ذلك حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين ... ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئًا ... لا صحيحًا ولا ضعيفًا ... ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة. [مجموع الفتاوى: 25/299-317]. قال ابن رجب: وأما اتخاذه مأتما كما تفعل الرافضة لأجل قتل الحسين فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعًا، وولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتمًا فكيف بمن هو دونهم. [لطائف:126].

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.