صلاة الغائب على الميت بوباء كورونا

 الراجح من أقوال العلماء أنه لا تشرع صلاة الغائب إلا على الميت الذي لم يصل عليه، في بلده.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" ولم يكن من هديه وسنته صلى الله عليه وسلم الصلاة على كل ميت غائب.
فقد مات خلق كثير من المسلمين وهم غُيَّب، فلم يصل عليهم، وصح عنه: ( أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت ) ، فاختلف الناس في ذلك على ثلاثة طرق...
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الصواب: أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه، صُلِّي عليه صلاة الغائب، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي؛ لأنه مات بين الكفار ولم يُصلَّ عليه، وإن صُلِّي عليه حيث مات، لم يُصلَّ عليه صلاة الغائب؛ لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغائب، وتركه، وفعله وتركه سنة، وهذا له موضع، وهذا له موضع، والله أعلم، والأقوال ثلاثة في مذهب أحمد، وأصحها: هذا التفصيل " انتهى. من "زاد المعاد" (1 / 500 – 501).
فإذا غلب على ظنك أن شخصا معينا من المسلمين توفي بسبب هذا المرض ودفن من غير صلاة عليه، فيشرع في هذه الحال الصلاة عليه صلاة الغائب.
وأما إن كنت تصلين بنية من مات في ذلك اليوم ولو لم تعرفيه، فهذا غير مشروع ، والأصل في العبادات المنع إلا بدليل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ولا يصلى كل يوم على غائب؛ لأنه لم ينقل، يؤيده قول الإمام أحمد: إذا مات رجل صالح صلي عليه واحتج بقصة النجاشي.
وما يفعله بعض الناس من أنه كل ليلة يصلي على جميع من مات من المسلمين في ذلك اليوم لا ريب أنه بدعة " انتهى، من "الفتاوى الكبرى" (5 / 360).
ثانيا:
الأصل أن صلاة الجنازة شرعت في حضور جثمان الميت؛ وإنما استثنيت صلاة الغائب لمشقة الذهاب إلى مكان الجنازة لبعد بلدها، فإذا كانت الجنازة في نفس مدينة المصلي، فالسنة الحضور إلى مكان الميت للصلاة عليه.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" ومذهبنا جواز الصلاة على الميت الغائب عن البلد...
(أما) إذا كان الميت في البلد فطريقان (المذهب) وبه قطع المصنف والجمهور لا يجوز أن يصلي عليه حتى يحضر عنده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم " لم يصل على حاضر في البلد إلا بحضرته "، ولأنه لا مشقة فيه بخلاف الغائب عن البلد " انتهى، من "المجموع" (5 / 252 – 253).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" وقوله: "غائب" أي: غائب عن البلد، ولو دون المسافة، أما من في البلد فلا يشرع أن يصلي عليه صلاة الغائب، بل المشروع أن يخرج إلى قبره ليصلي عليه.
ولهذا يخطئ بعض الجهال الذين يصلون على الميت في أطراف البلد وهو ميت في بلده، فإن هذا خلاف السنة، فالسنة أن تخرج إلى القبر وتصلي عليه " انتهى، من "الشرح الممتع" (5 / 345).
فالعلة التي لأجلها شرعت صلاة الغائب على الميت الذي خارج البلد؛ هي مشقة الحضور للجنازة وتعذره، كما مرّ في كلام النووي.
وفي "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (2/ 27) :
"وَلَوْ تَعَذَّرَ عَلَى مَنْ فِي الْبَلَدِ الْحُضُورُ لِحَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ لَمْ يُبْعَد الْجَوَازُ"
وقال العبادي في حاشيته على تحفة المحتاج (3/ 150):
الْمُتَّجَهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمَشَقَّةُ وَعَدَمُهَا فَحَيْثُ شَقَّ الْحُضُورُ وَلَوْ فِي الْبَلَدِ لِكُبْرِهَا وَنَحْوِهِ صَحَّتْ وَحَيْثُ لَا وَلَوْ خَارِجَ السُّورِ لَمْ تَصِحَّ".
وهذه العلة متوفرة في الميت بهذا الوباء حتى ولو كان داخل البلد، لتعذر حضور جنازته، بسبب منع الجهات المختصة للناس من الخروج من المنازل.
ولكن صلاة الغائب في هذه الحالة على الراجح إنما تكون إذا لم يُصلِّ عليه أحد ، كما سبق .
فإن صلى عليه بعض أهله أو بعض الطاقم الطبي في المستشفى، فلا تشرع صلاة الغائب عليه حينئذ.
ولكن ... لمن لم يتمكن من الصلاة عليه أن يخرج للصلاة عليه في قبره ، وذلك من غير أوقات حظر التجول ، أو بعد انتهاء هذه الأزمة .
نسأل الله تعالى أن يعجل برفع هذا الوباء عن المسلمين .
ثالثا:
صلاة الجنازة تصح من واحد منفرد، ولا تشترط لها الجماعة على الصحيح .
رابعا:
المشروع أن يصلى على الميت بعد تغسيله، لكن إن تعذر تغسيله بسبب خوف الضرر، فلا تسقط مشروعية الصلاة عليه وإن دفن بلا تغسيل.
قال الله تعالى:   ((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)) [ التغابن /16].
قال عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى:
" قاعدة: وهي أن من كلف بشيء من الطاعات فقدر على بعضه وعجز عن بعضه فإنه يأتي بما قدر عليه ويسقط عنه ما عجز عنه ... " انتهى، من "قواعد الأحكام" (2 / 7).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" فمن استقرأ ما جاء به الكتاب والسنة تبين له أن التكليف مشروط بالقدرة على العلم والعمل، فمن كان عاجزا عن أحدهما سقط عنه ما يعجزه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها..." انتهى، من "مجموع الفتاوى" (21 / 634).

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.