هيبة المنبر

 سمعت بعض الخطباء يقول: "إنني برغم مدتي الطويلة في الخطابة إلا أنني أشعر بتهيّب بالغ له، وباحترام كبير، وأخشى نقد الناقدين، وتعقب المتعقبين" أو كلمة نحوها.

كذا فليكن الاهتمام والاستعظام لأمر المنبر! إنه موضع مَهيب، ومنزل موقَّر، يشحن المتقي الزكي بنفسية الهم والجد والاهتمام، فلا يغدو لمسجده إلا وهو خائف وَجِل، مهتم حريص، مستعد بصير، يخشى الخطأ، ويرتعب التقصير، وبقدر الهم يكبر العزم.
ليس الخوف من المنبر هو نقد الناقدين وتهكم الناقمين فحسب... كلا! بل هو شرفُ هذه المهنة، واستعلاؤها في قلوب المسلمين ومدى جاذبيتها في الأذهان والأبصار ﴿فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2].
إن هيبة منبر الجمعة تكمن في علائه الديني، وسموه الأدبي، وإجلال الناس له، واصطفاء النخبة لأدائه، وكونه مشعل الأسبوع الوضاء، وكلمته المتجددة، وأمانته الناصحة، وموعظته البليغة، التي هي بإذكاء الهم أجدر، وبإيقاد البذل أحكم وأوفر.
وبقدر الجد والهم والاعتبار، تكون فاعلية الخطبة وتأخذ حجمها التأثيري والتوجيهي والتربوي في حياة الناس والمتلقين.
إن المساحة واسعة بين خطبة مرقعة هزيلة، وأخرى منظمة محضرة، محكمة، والناس شهود الله في الأرض! من أحسن فله الحسنى، ومن أساء فعليها، وقد عبر عن مستوى عقله، وحدّه، ومدى اهتمامه الشرعي وحسه الإسلامي، وحِراكه الدعوي، فليستكثر أو ليستقل!
أيها الخطيب المقدام، ازرع الهيبة في نفسك من هيبة المنبر، ومحله الرفيع في قلبك، وتذكر أمانته الخطيرة، ومسئوليته الجسيمة، التي تجعلك تتوخى بتوجيهه مكامن الإفادة والإحسان والإتقان، المخضوبة برياحين الإخلاص والرهبة والإخبات، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
مواضع الهيبة في المنبر:
الإحساس الشرعي بأهميته وعلوه، وأنه من أزكى الطاعات وأعلا المقامات.
مخافة الزلل فيه، والتقصير في أدائه، وخشية التغافل عنه.
إجلال الجماهير له، واحترامهم لمرتاديه والمتسنمين ذروته وقامته.
 انفصام العمل عن ثرثرة القول، وطول المواعظ الغاصة، والنصائح المتوالية! وهذه زلة شنيعة، ومزلق قبيح. قال تعالى: ﴿ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 3].
صعود الفضلاء له من الأنبياء وأتباعهم من العلماء المصلحين والمؤثرين، وليس كل من اشتهاه ارتقاه!
توالي التبعات بالكلمات المرصوفة، والحجج الدامغة على نفسية الخطيب، لأنه من أكثر الناس نصحاً، ومن أوائلهم باستحقاق التبعة، وإقامة الحجة. قال تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾. [البقرة: 44].
الانبهار بمجيديه ومتقنيه، وكثرة ثناء الناس عليهم، مما يخشى فساد النية، والتحول إلى مثوى الغرور والعجب.
كشف المستوى العلمي والفكري لدى الخطيب، حيث إنه يعرض عقله كل جمعة، ويقدم بضاعته كل أسبوع، مما يمكن الناس من معرفة قدراته، والإحاطة بمحاسنه ومساوئه.
محك اختبار المنطق وسيلانه، أو تعقده وانقباضه كما قد حصل لغير واحد، انشلت قدراته الكلامية، وتعطلت مداركه الفكرية.
كما قد نقل عن بعض أمراء خُراسان واسمه ثابت قطنه. أنه صعد المنبر فارتج عليه، فنزل وقال:
فَإِنْ لَمْ أَكُنْ فِيكُم خَطِيبًا فَإِنَّنِي ♦♦♦ بِسَيْفِي إِذَا جَدَّ الْوَغَى لَخَطِيْبُ
فقال له الناس:

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.