منهج النبي صلى الله عليه وسلم الدعوي في الحج

لم تر الدنيا داعية كالنبي صلى الله عليه وسلم، وكما كان قمة في كل أموره فقد بلغ القمة في دعوة الناس لهذا الدين، وقد تجلت بعض معالم هذا المنهج، وسأشير هنا إلى بعض هذه المعالم.

المصطفى لينًا في وعظه:

الداعية إلى الله سبحانه وتعالى يحرص كل الحرص على أن تسيطر تصرفاته على قلوب الناس، ووظيفة الداعية ليست مجرد تبليغ الدعوة إلى الناس، أخذوها أم لا! بل هو حريص على وصول الدعوة إلى مدعويه، ومن أعظم طرق وصول الدعوة إلى الناس: اللين في الوعظ. وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة: «يا عائشة إن الله يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه».

وقد عرف لينه صلى الله عليه وسلم في حجه، ولا أدل على ذلك من لينه صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنه- حين حاضت مداعبًا إياها: «ما يبكيك يا هنتاه؟»، ثم قال لها صلى الله عليه وسلم مطيبًا خاطرها: «فلا يضرك أنت من بنات آدم، كتب الله عليك ما كتب عليهن».

ولما انتهت رضي الله عنها من حجتها، وحزنت أن ترجع بحج دون عمرة كما رجعت صواحبها، وقالت: "أترجع صواحبي بحج وعمرة، وأرجع أنا بالحج؟"، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر فذهب بها إلى التنعيم. وهذا ما جعل جابرًا رضي الله عنه يقول معلقًا على إرسال أم المؤمنين إلى التنعيم: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا سهلًا، إذا هويت الشيء تابعها عليه". فانظر رحمك الله إلى قول جابر في وصف النبي صلى الله عليه وسلم "سهلًا"، وتأمله جيدًا، وخذ منه أوفر النصيب.

ثم هل رأيت لينًا كهذا؟ حين سمع رجلًا يلبي عن غيره قائلًا: لبيك عن شبرمة. فقال صلى الله عليه وسلم: «من شبرمة؟». قال: أخ لي. أو قريب لي. فقال: «حججت عن نفسك؟» قال: لا. فقال: «حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة».

وحين وجد صلى الله عليه وسلم رجلًا يربط يد آخر بخيط وهو يطوف بالكعبة، فقطع النبي صلى الله عليه وسلم الخيط بيده، ثم قال: «قده بيده».

ولما دخل رجلان في مسجد الخيف، وكانا قد صليا في رحالهما، وتنحيا في ناحية من المسجد، ولم يصليا مع القوم، فنظر إليهما النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: «إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة؛ فصليا معهم؛ فإنها لكما نافلة».

أرأيت أخي الحبيب: إنه لين في وعظه، ليس كبعض المنفرين. يحكي أحد الدعاة فيقول: بأنه دخل مسجدًا يومًا ليصلي، فسمع الإمام يقول: النسوة في الخلف. فنظر القوم فلم يجدوا نسوة، فكرر وقال: النسوة في الخلف؛ حالقوا اللحى في الخلف. فانفض الناس من خلفه وتركوه.

المصطفى حكيمًا في أمره ونهيه:

الحكمة: هي وضع الشيء في موضعه. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون حكيمًا في دعوته، قال له ربه: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}.

ومن حكمته صلى الله عليه وسلم في الحج: ما رواه جابر في حديثه قال: "وأردف الفضل بن عباس، وكان رجلًا حسن الشعر، أبيض، وسيمًا، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل، فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الآخر".

أرأيت مثل هذا، الفضل ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب خلفه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فيضرب الشيطان الفضل بسهم من سهامه، فيحجب النبي صلى الله عليه وسلم السهم عن الفضل؛ لكن الفضل يعين الشيطان فينظر إلى الجهة الأخرى، ولم يزد النبي صلى الله عليه وسلم عن صرف ابن عمه من الجهة الأخرى.

أرأيت لو أن واحدًا منا في هذا الموقف، ومعه من ينظر إلى النسوة، ويعيد النظر، ماذا يكون؟! سترى الانفعالات والتشنجات، و"الشخط والنطر"، ليس لكون المعصية وقعت؛ ولكن لأن صاحب المعصية لم يراع وجود فلان أو علان.

المصطفى ميسرًا في نسكه:

من العجب العجاب.. أن يحاول البعض إلزام الناس بما يشق عليهم، وإجبار الخلق بما فيه شدة عليهم، وأعجب من هذا.. أن يكون ذلك باسم الدين.

إن التيسير على خلق الله هو روح هذا الدين، وإن استقراء نصوص القرآن، وصحيح السنة، يؤكد على أن التيسير أمر مطلوب، وقصد مشروع، وكأن إخواننا هؤلاء لم يقرؤوا قول الله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى ومعاذ: «يسرا ولا تعسرا». وقال موجهًا الأمة كلها: «يسروا ولا تعسروا».

وقالت عنه أمنا عائشة: "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما؛ ما لم يكن إثمًا".

إن التشديد إن جاز أن يأخذ به الإنسان على نفسه؛ فإنه لا يجب عليه إلزام الناس به؛ ولذلك قالوا في وصف محمد بن سيرين: "كان أرجى الناس لهذه الأمة، وأشدهم أزرًا على نفسه".

وفي حجه صلى الله عليه وسلم بدا التيسير منه صلى الله عليه وسلم في نسكه من أوله إلى آخره، ومن ذلك:

1- يروي لنا ابن عباس مشهداً رائعاً ظهر فيه تيسيره صلى الله عليه وسلم بأمته، وذلك أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : زرت قبل أن أرمي. قال: " لا حرج "، قال: حلقت قبل أن أذبح، قال: " لا حرج ", قال: ذبحت قبل أن أرمي. قال: " لا حرج "، وفي رواية قال: رميت بعدما أمسيت. فقال: " لا حرج "، قال: حلقت قبل أن أنحر. قال: " لا حرج "، وفي رواية أخرى ما سئل يومئذ عن شيء قال: " افعل ولا حرج ".

وإذا كان هناك من يقول بأن مخالفة الترتيب في يوم النحر مخالف للسنة، فإن ابن حزم قال: ما أخطأوا السنة ولا خالفوها، لأن ما أباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ير فيه حرج فهو سنة لكن تركوا الأفضل فقط.

2 - ومن تيسيره صلى الله عليه وسلم أنه لم يجعل الحلق واجباً على أمته؛ لكنه جعل الحلق أو التقصير؛ ولذا لما دعا وقال: اللهم اغفر للمحلقين. قالوا يا رسول الله وللمقصرين، قال: اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: يا رسول الله وللمقصرين. قال: اللهم اغفر للمحلقين. قالوا: يا رسول الله وللمقصرين، قال وللمقصرين.

3 - ومن تيسيره على أمته قصره الصلاة الرباعية في منى فصلى الظهر اثنتين والعصر اثنتين والعشاء اثنتين وفي حديث ابن عمر: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين.

4- وكذلك جمعه بين الظهر والعصر جمع تقديم مع القصر ليتفرغ للدعاء.

5 - ولعل من يسره بأمته صلى الله عليه وسلم جمعه بين المغرب والعشاء بمزدلفة دون أن يتنفل, واضطجاعه حتى الفجر، وفي حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع حتى طلع الفجر.

أين هذا اليسر ممن يشددون على أنفسهم وعلى خلق الله؛ حاملين الناس دائماً على الأشد، وإن كان فيه كلفة بالناس، وإن الفقه كل الفقه لهو التيسير على خلق الله، ولكن وفق منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم .

المصطفى عمله يطابق قوله

من بديع كلام الفاروق رحمه الله: إن لله رجالاً أحيوا الحق بذكره، وأماتوا الباطل بهجره؛ وهذا الصنف من الناس إنما يطابق عملهم قولهم، وأنبياء الله تعالى كانوا في ذروة هذا الأمر، ودين الله إنما يحتاج إلى هذه النوعية من الدعاة، يمزجون القول بالعمل، والحلم بالعمل، أما إذا خالف العمل قول صاحبه، فهذا هو التهتك الذي قسم ظهر علي بن أبي طالب حين قال: " قسم ظهري رجلان: عالم متهتك وجاهل متنسك ".

ورحم الله سيد قطب يوم أن قال: إن الكلمة لتنبعث ميتة، وتصل هامدة مهما تكن طنانة رنانة متحمسة إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها، ولن يؤمن إنسان بما يقوله حقاً إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقول، وتجسيماً واقعياً لما ينطق، عندئذ يؤمن الناس، ويثق الناس، ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين ولا بريق، إنها حينئذ تستمد قوتها من واقعها لا من زينتها، وتستمد جمالها من صدقها لا من بريقها، إنها حينئذ تستحيل دفعة حياة لأنها منبثقة من حياة.

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته صادق المظهر والجوهر، يطابق فعله قوله، كما يطابق ظاهره باطنه.

وفي حجه صلى الله عليه وسلم تجلى هذا الأمر جيداً، وما كان صلى الله عليه وسلم ليأمر الناس بشيء ولا يأتيه, أو ينهاهم عن شيء ويأتيه.

انظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ". فإذا كان هذا قوله صلى الله عليه وسلم فإن فعله كان سابقاً لقوله، حيث خرج بأهله وأحسن إليهن أفضل الإحسان، فلما اشتكت أم سلمة قال لها: " طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ".

وانظر إليه وهو يعلن على الملأ من الناس حرمة قتل النفس وحرمة الربا، فيبدأ صلى الله عليه وسلم بأقرب الناس إليه ليقتدى به، فبدأ بدم ابن ربيعة بن الحارث، وبربا عمه

العباس، فقال: " ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ـ وكان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل ـ وربا الجاهلية موضوع؛ وأول ربا أضع ربانا؛ ربا عباس بن عبد المطلب ".

ولما دعا صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثاً كان صلى الله عليه وسلم محلقاً ولم يكن مقصراً.

وحين أمر الناس بالسكينة عند الدفع من عرفة كان صلى الله عليه وسلم أكثر القوم سكينة، وأشدهم تذللاً، وأحسنهم خشية، وأدناهم من الله قرباً. ولله در سيد رحمه الله حين قال:

إن آفة رجال الدين - حين يصبح الدين حرفة وصناعة لا عقيدة حارة دافعة - أنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم؛ يأمرون بالخير ولا يفعلونه؛ ويدعون إلى البر ويهملونه؛ ويحرفون الكلم عن مواضعه؛ ويؤولون النصوص القاطعة خدمة للغرض والهوى، ويجدون فتاوى وتأويلات قد تتفق في ظاهرها مع ظاهر النصوص، ولكنها تختلف في حقيقتها عن حقيقة الدين، لتبرير أغراض وأهواء لمن يملكون المال أو السلطان ! كما كان يفعل أحبار يهود !

المصطفى يبلغ رسالة ربه:

البلاغ عن الله تعالى أمر واجب على كل رسول من رسل الله تعالى؛ ونبي الله محمد صلى الله عليه وسلم كان أكثر إخوانه جهداً في هذا الأمر؛ وهذا نابع من عالمية رسالته، وهيمنة شريعته، يقول الشهيد سيد قطب: إنه الأمر الجازم الحاسم للرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه وإلا فما بلغ وما أدى وما قام بواجب الرسالة. ولم يترك النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة من وسائل التبليغ إلا وسخرها للبلاغ عن ربه.

وفي حجه صلى الله عليه وسلم كان حريصاً كل الحرص على هذا البلاغ ويظهر ذلك من قول جابر: " ثم أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس في العاشرة ـ أي السنة العاشرة ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج؛ فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله.

وهذا هو مقصود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتم به الناس، ولهذا صرخ في الناس قائلاً: «لتأخذوا عني مناسككم».

وللفت انتباههم كما عند الطبراني في الأوسط قال لهم صلى الله عليه وسلم : " لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ".

ومن أجل هذا تعددت خطبه صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا سابقاً أنه صلى الله عليه وسلم قد خطب أربع خطب في حجه وهي:

كما تعددت رسله وتعدد المبلغون عنه كعلي وبلال وربيعة بن أمية رضي الله عنهم.

المصطفى يؤصل لفقه الدعوة:

كانت الدعوة إلى الله تعالى هي الشغل الشاغل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف لا ووظيفته صلى الله عليه وسلم الأولى هي كونه داعية إلى الله عز وجل، وهل أرسله ربه إلا ليدعو الناس إلى رب الناس؟ وقد كان صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه ليكونوا دعاة من بعده، كما أراد صلى الله عليه وسلم أن يربي أصحابه على ما رباه عليه ربه؛ ليربي أصحابه الناس على ما ربوا عليه.

والدعوة إلى الله تعالى ليست مجرد أقوال تحفظ، أو نصوصاً تملى على الناس، لكنها مع الأقوال والنصوص فقه يؤصل، وقواعد تقعد، وأصول يبنى عليها، وفي حجه صلى الله عليه وسلم بدا تأصيله صلى الله عليه وسلم لفقه الدعوة وأصوله، ومن ذلك:

أولاً: فقه الأولويات:

يدرك كل مستبصر بدين الله أن أوامر الشرع ليست على درجة واحدة، فمنها الفرض والواجب وفيها المستحب والمندوب، ومنها الحرام والمكروه، ومنها الواجب والأوجب، والمؤكد والأوكد، والحسن والأحسن، والدعوة إلى الله تعالى تحتاج من الداعية أن يقدم المفروض على المسنون والواجب على المندوب، والحسن على الأحسن، والأهم على المهم، وكبير المصلحة على صغيرها، ودائم المصلحة على منقطعها.

وفي حجه أظهر النبي صلى الله عليه وسلم فقه الأولويات، حيث أنه صلى الله عليه وسلم أخبر عن أجر المحلقين والمقصرين فقال: " اللهم اغفر للمحلقين. قالوا يا رسول الله وللمقصرين، قال: اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: يا رسول الله وللمقصرين. قال: اللهم اغفر للمحلقين. قالوا: يا رسول الله وللمقصرين، قال وللمقصرين ".

لكنه صلى الله عليه وسلم لانشغاله دائماً بالأهم وبالأولى ولهذا دعا للمحلقين ثلاثا، وللمقصرين مرة واحدة.

ثانياً: فقه الموازنات:

ومن الضروري أيضاً لكل داعية أن يوازن في دعوته بين المصالح والمنافع، وبين المضار والمفاسد، وبين المصالح والمفاسد، وإذا كان الفقهاء قد قعدوا لذلك وقالوا بأن: ـ درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.

ـ المفسدة الصغيرة تغتفر من أجل المصلحة الكبيرة.

ـ المفسدة العارضة تغتفر من أجل المصلحة الدائمة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا ثبت أن الحسنات لها منافع وإن كانت واجبة كان في تركها مضار، والسيئات فيها مضار، وفي المكروه بعض حسنات، فالتعارض إما:

1. بين حسنتين لا يمكن الجمع بينهما؛ فيقدم أحسنهما بتفويت المرجوح.

2. بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما؛ فيدفع أسوأهما باحتمال أدناهما.

3. بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما؛ بل فعل الحسنة مستلزم لوقوع السيئة؛ فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ومضرة السيئة.

4. وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة؛ فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ومضرة السيئة.

وفي حجه أصل لهذا الفقه الدعوي حين قال لعائشة ـ رضي الله عنها ـ: ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ قالت: فقلت: يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت.

ثالثاً: فقه الخلاف:

من أحوج ما تحتاج إليه الأمة في وقتنا هذا أدب الخلاف أو فقه الخلاف؛ وخصوصاً أبناء الحركة الإسلامية، ومما يغيب عن كثير من أبناء الإسلام، أن المسألة الواحدة قد تحتمل أكثر من رأي، وتتسع لأكثر من وجه، وهنا يجوز لكل أحد أن يأخذ برأي دون آخر دون تأثيم أو تفسيق، فإن اقتدى أحد ببلال آخذاً بالعزيمة فنعم هو، وإن خالفه غيره واقتدى بعمار آخذاً بالرخصة فلا إثم عليه.

وفي حجه صلى الله عليه وسلم رأيناه يشرع للناس أنواع النسك الثلاثة (الإفراد ـ القران ـ التمتع ) ولم يعنف واحداً، أو يؤثم آخر.

كما أنه في أيام منى أخبر عن ربه (فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى).

وكذلك في حلقه صلى الله عليه وسلم فإنه وإن حلق فلم يعنف المقصرين، ولم يحمل عليهم حملة شعواء، بل دعا لهم كما دعا للمحلقين، وإن كانت الدعوة مرة لا ثلاث.

إن هذه الأمور وغيرها من مناسك الحج جديرة بالنظر فيها نظرة تمهل وترو، كما أنها جديرة بالتأسي والتطبيق؛ حتى لا نقدم ما حقه التأخير ونؤخر ما حقه التقديم، أو نهول ما من شأنه التهوين، و نضخم ما من حقه التضعيف.


([1]) ماجستير أصول الدين ، عضو مؤسس في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.